إنّ للكون هدفاً ، كما أنّ لخلق الإنسان هدفاً كذلك ، وليس الهدف من خلق الإنسان إلاّ أن يتكامل في جميع أبعاده ، وما بعث الأنبياء وانزال الكتب والشرائع إلاّ لتحقيق هذا الهدف العظيم ، والغاية السامية.
ولمّا كانت المعاصي والذنوب من أكبر الأسباب التي توجب بعد الإنسان عن الهدف الذي خلق الإنسان من أجله ، وتعرقل مسيرة تكامله ، لأنّ الذي يعيش طيلة حياته في الكذب والنفاق وغيرها من المعاصي لا يمكن أن يتوصّل إلى هدف الخلقة بل يبقى كالحيوان غائب الرشد سادر الفكر ، كان لابدّ من صدمة تعيده إلى رشده ، وتردّه إلى صوابه ، وكذلك تفعل البلايا والمصائب فإنّها بقطعها نظام الحياة وايقافها للإنسان العاصي على نتائج أعماله توجب رجوعه إلى الحقّ وعودته إلى العدالة ، أو تدفعه إلى أن يعيد النظر في سلوكه ومنهجه في الحياة على الأقل.
إنّ القرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة ـ بوضوح لا ابهام فيه ـ إذ يقول :
( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ( الروم / ٤١ ).
ويقول سبحانه في آية اُخرى :
( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( الأعراف / ٩٦ ).
نقطتان هامّتان :
ويجدر بنا في ختام هذا البحث أن نشير إلى نقطتين هامّتين :
الاُولى : إنّ بقاء الحياة على نمط واحد ووتيرة واحدة يوجب ملل النفس وكلل الروح وتعب العقل ، فلا تكون الحياة محبّبة لذيذة إلاّ إذا تراوحت بين المرّ والحلو ، والجميل والقبيح ، والمحبوب والمكروه ، إذ لا يمكن معرفة السلامة إلاّ عند