ودهشة بسبب تعارض هذين الأمرين وكلّ منهما يهدف إلى اثبات الكمال لله سبحانه ولأجل ذلك ذهبت فرقة إلى نفي الصفات خوفاً من انكار الوحدانية ، كما انّ طائفة اُخرى وقعوا في مغبّة الكثرة رغبة في توصيفه بالصفات الكمالية ، وهناك ثلّة جليلة جمعوا بين الوحدة والبساطة ، وكونه متّصفاً بصفات كمالية مختلفة.
ثمّ ان الإشكال إنّما هو في الصفات الجمالية التي يعبّر عنها بالصفات الثبوتية لكونها راجعة إلى صفات وجودية تختلف كلّ منها عن الاُخرى ، فيُشكل الجمع بينها وبين القول بالوحدة والبساطة ، وأمّا الصفات الجلاليّة أعني الصفات السلبية مثل قولنا ليس بجسم ولا عرض فلا توجب كثرة السلوب ، كثرة في الذات بشهادة انّه يصحّ سلب كثير من الاُمور عن الجزء الذي لا يتجزئ.
ومثلها كثرة النسب والاضافات التي تنسب إلى الذات في مرحلة متأخّرة فهي لا توجب كثرة في الذات ، وذلك نظير الوحدة فإنّها أبسط الأشياء مع أنّه يلحقها اُمور إضافية ونسبيّة. فيقال : الواحد نصف الاثنين ، وثلث الثلاثة ، وربع الأربعة وهكذا إلى غير النهاية من النسب والاضافات العارضة للواحد ، فالكلام كلّه في الصفات الثبوتية كالعلم والقدرة والحياة التي لها حقائق خارجية.
ثمّ ان بعض المتكلّمين لمّا لم يتوفّق للجمع بين وحدة الذات وكثرة الصفات لجأ إلى أحد الأمرين :
الأوّل : إرجاع الصفات الثبوتية إلى السلبية وقد عرفت انّ كثرة السلوب لا تنثلم به وحدة الشيء فمعنى كونه عالماً أنّه ليس بجاهل ، ومعنى كونه قادرا أنّه ليس بعاجز وهكذا وهذه النظرية منسوبة إلى أبي إسحاق النظام ، ولكنّها غير تامّة لأنّه سبحانه واجد لواقعيّة هذه الكمالات حسب الأقيسة العقلية ، وحسب ما يرشد إليه الكتاب والسنّة فهو متصف بالعلم والقدرة ، وبالتالي يطرد عن ذاته الجهل والعجز في الدرجة الثانية لا أنّه ليس له هذه الكمالات وإنّما يسلب عنه النقائص.