إذا قيس إلى شىء يكون فيه لا كما يوجد الشىء فى موضوع صار جوهرا ؛ وإن كان بالقياس إلى شىء آخر بحيث يكون عرضا ، بل هو اعتبار له فى ذاته. فإن الشىء إذا تأملت ذاته ونظرت إليها فلم يوجد لها موضوع البتة كانت فى نفسها جوهرا ، وإن وجدت فى ألف شىء لا فى موضوع بعد أن توجد فى شىء واحد على نحو وجود الشىء فى الموضوع (١) فهى فى نفسها عرض. وليس إذا لم تكن عرضا فى شىء فهى (٢) جوهر فيه ، فيجوز أن يكون الشىء لا عرضا فى الشىء ولا جوهرا فى الشىء ، كما أن الشىء يجوز أن لا يكون واحدا فى شىء ولا كثيرا ، لكنه فى نفسه واحد أو كثير. وليس الجوهرى والجوهر واحدا ، ولا العرض بمعنى العرضى الذي فى إيساغوجى هو العرض الذي فى قاطيغورياس. وقد بينا هذه الأشياء لك فى صناعة المنطق.
فبين أن النفس لا يزيل عرضيتها كونها فى المركب كجزء ، بل يجب أن تكون فى نفسها لا فى موضوع البتة ، وقد علمت ما الموضوع.
فإن كان كل نفس موجودة لا فى موضوع ، فكل (٣) نفس جوهر ، وإن كانت نفس ما قائمة بذاتها والبواقى كل واحد منها فى هيولى وليست فى موضوع فكل نفس جوهر ، وإن كانت نفس ما قائمة (٤) فى موضوع وهى مع ذلك جزء من المركب فهى عرض ، وجميع هذا كمال. فلم يتبين لنا بعد أن النفس جوهر أو ليست (٥) بجوهر من وضعنا أنها كمال. وغلط من ظن أن هذا يكفيه فى أن يجعلها جوهرا كالصورة.
فنقول : إنا إذا عرفنا أن النفس كمال بأي بيان وتفصيل فصلنا الكمال ، لم يكن بعد عرفنا النفس وماهيتها ، بل عرفناها من حيث هى نفس ؛ واسم النفس ليس يقع عليها من حيث جوهرها ، بل من حيث هى مدبرة للأبدان ومقيسة إليها. فلذلك يؤخذ البدن فى حدها ، كما يؤخذ مثلا البناء فى حد البانى ، (٦) وإن كان لا يؤخذ (٧) فى حده من حيث هو إنسان. ولذلك صار النظر فى النفس من العلم الطبيعى ، لأن النظر فى النفس من حيث هى نفس نظر فيها من حيث لها علاقة بالمادة والحركة ، بل يجب أن
__________________
(١) الموضوع : موضوع م.
(٢) فهى : فهو ف.
(٣) فكل : وكل د.
(٤) بذاتها ... ما قائمة : ساقطة من م.
(٥) أو ليست : أو ليس د ، ك ، م.
(٦) البانى : الثاني م
(٧) لا يؤخذ : لا يوجد د.