الفصل السادس (١)
فى مراتب أفعال العقل وفى أعلى مراتبها
وهو العقل القدسى
فنقول : إن النفس تعقل بأن تأخذ فى ذاتها صورة المعقولات مجردة عن المادة ، وكون الصورة (٢) مجردة إما (٣) أن يكون بتجريد العقل إياها ، وإما أن يكون لأن تلك الصورة فى نفسها مجردة عن المادة ، فتكون النفس قد كفت المؤنة فى تجريدها.
والنفس تتصور ذاتها ، وتصورها ذاتها يجعلها عقلا وعاقلا ومعقولا ، وأما تصورها لهذه الصور فلا يجعلها كذلك ، فإنها فى جوهرها فى البدن دائما بالقوة عقل ، وإن خرج فى أمور ما إلى الفعل. وما يقال من أن ذات النفس تصير هى المعقولات ، فهو من جملة ما يستحيل عندى ؛ فإنى لست أفهم قولهم : إن شيئا يصير شيئا آخر ، ولا أعقل أن ذلك كيف يكون ، فإن كان بأن يخلع صورة ثم يلبس صورة أخرى ، ويكون هو مع الصورة الأولى شيئا ، ومع الصورة الأخرى شيئا ، فلم يصر بالحقيقة الشىء الأول الشىء الثاني ؛ بل الشىء الأول قد بطل وإنما بقى موضوعه أو جزء منه ، وإن كان ليس كذلك فلينظر (٤) كيف يكون فنقول : إذا صار الشىء شيئا آخر ، فإما أن يكون إذ هو قد صار ذلك الشىء موجودا أو معدوما ، فإن كان موجودا ، فالثانى الآخر إما أن يكون موجودا أيضا أو معدوما ، فإن كان موجودا ، (٥) فهما موجودان لا موجود واحد ، وإن كان معدوما ، فقد صار هذا الموجود شيئا معدوما لا شيئا آخر موجودا ، وهذا غير معقول. وإن كان الأول قد عدم فما صار شيئا آخر ، بل عدم هو وحصل شىء
__________________
(١) الفصل السادس : فصل ٦ ف.
(٢) الصورة : الصور م
(٣) إما : فإما د.
(٤) فلينظر : فلننظر ف.
(٥) موجودا : ساقطة من م.