جميعا هو الشكل فقط. ومن العجائب غفلتهم عن أن الأشكال لا تدرك إلا أن تكون هناك ألوان أو طعوم أو روائح أو كيفيات أخرى ؛ ولا تحس البتة بشكل مجرد. فإن كان لأن الشكل المجرد إذا صار محسوسا أحدث فى الحس أثرا من هذه الآثار غير الشكلية ، فقد صح وجود هذه الآثار. وإن لم تكن هذه الآثار إلا نفس الشكل ، وجب أن يحس شكل مجرد من غير أن يحس معه شىء آخر.
وقال قوم (١) من الأوائل : إن المحسوسات قد يجوز أن تحس بها النفس بلا وسائط (٢) البتة ولا آلات ، أما الوسائط فمثل الهواء (٣) للإبصار وما الآلات فمثل العين للإبصار. وقد بعدوا عن الحق ، فإنه لو كان الإحساس يقع للنفس بذاتها من غير هذه الآلات لكانت هذه الآلات معطلة فى الخلقة لا ينتفع بها ، وأيضا فإن النفس إذا كانت غير جسم عندهم ولا ذات وضع فيستحيل أن يكون بعض الأجسام قريبا منها ومتجها إليها فيحس ، (٤) وبعضها بعيدا عنها محتجبا (٥) عنها (٦) فلا يحس. وبالجملة يجب أن لا يكون اختلاف فى أوضاع الأجسام منها وحجب وإظهار ، فإن هذه الأحوال تكون للأجسام عند الأجسام. فيجب أن تكون النفس إما مدركة لجميع المحسوسات وإما غير مدركة ، وأن لا تكون غيبة المحسوس تزيله (٧) عن الإدراك. لأن هذه الغيبة غيبة عند شىء لا محالة هى خلاف الحضرة منه. فيكون عند ذلك الشىء لهذا الشىء (٨) غيبة مرة حضور مرة ، وذلك مكانى وضعى فيجب أن تكون النفس (٩) جسما ؛ ليس ذلك بمذهب هؤلاء ؛ وسنبين لك بعد أن الصورة المدركة لا يتم نزعها عن المادة وعلائق المادة يستحيل أن تستثبت بغير آلة جسدانية ؛ ولو لم تحتج النفس فى إدراك الأشياء إلى المتوسطات لوجب أن لا يحتاج البصر إلى الضوء وإلى توسط الشاف ، ولكان تقريب المبصر من العين لا يمنع الإبصار ، ولكان سد الأذن لا يمنع الصوت ، ولكانت الآفات العارضة لهذا الآلات لا تمنع الإحساس.
__________________
(١) قوم : ساقطة من د.
(٢) وسائط : واسطة ك
(٣) الهواء : + مثلا ف.
(٤) فيحس : ساقطة من ف ، م
(٥) محتجبا : ومحتجبا ف.
(٦) عنها : منها د ، ف ؛ فيها م.
(٧) تزيله : المزيلة م.
(٨) لهذا الشىء : ساقطة من ف.
(٩) النفس : للنفس م.