بذلك نسبتهما من أوضاع المرئى الواحد ، كطوق الحمامة فإنها ترى مرة شقراء ومرة أرجوانية ومرة على لون الذهب ، وبحسب اختلاف المقامات ، فلهذا ما يكون شىء واحد عند إنسان صحيح حلوا ، وعند إنسان مريض مرا. فهؤلاء هم الذين جعلوا الكيفيات المحسوسة لا حقائق لها فى أنفسها ، إنما هى أشكال.
وهاهنا قوم آخرون أيضا ممن لا يرو هذا المذهب لا يجعلون لهذه الكيفيات حقيقة فى الأجسام ، بل يرون أن هذه الكيفيات إنما هى انفعالات للحواس فقط من غير أن يكون فى المحسوسات شىء منها. وقد بينا فساد هذا الرأى ، وبينا أن فى بعض الأجسام خاصية تؤثر فى اللسان ، مثلا الشىء الذي نسميه إذا ذقناه حلاوة ، ولبعضها خاصية أخرى من جنسها ، وهذه الخاصية نسميها الطعم لا غير.
وأما مذهب أصحاب الأشكال فقد نقضنا أصله فيما سلف ، ثم قد يظهر لنا سريعا بطلانه ، فإنه لو كان المحسوس هو الشكل لكل يجب إذا لمسنا الشكل وأدركناه خصوصا بالحدقة أن نكون رأينا أيضا لونه ، فإن الشىء الواحد من جهة واحدة يدرك شيئا واحدا ، فإن أدرك من جهة ولم يدرك من جهة ، فالذى لم يدرك منه غير المدرك ، فيكون (١) اللون إذن غير الشكل ، وكذلك أيضا الحرارة غير الشكل ، اللهم إلا أن يقال : إن الشىء الواحد يؤثر فى شيئين أثرين مختلفين ، فيكون أثره فى شيء ما ملموسا (٢) وأثره فى شىء آخر مرئيا. فإذا كان كذلك لم يكن الشكل نفسه محسوسا ، بل أثر مختلف يحدث عنه فى الحواس المختلفة غير نفسه. والحاس أيضا جسم ، وعنده (٣) أنه لا يتأثر إلا بالشكل ، فيكون أيضا الحاس إنما يتأثر بالشكل ، فيكون الشىء الواحد يؤثر فى آلة شكلا (٤) ما وفى آلة أخرى شكلا آخر لكن لا شىء من الأشكال عنده إلا ويجوز أن يلمس ، فيكون هذا المرئى أيضا يجوز أن يلمس. ثم من الظاهر البين أن اللون فيه مضادة وكذلك الطعم وكذلك أشياء أخرى ، ولا شىء من الأشكال بمضاد لشىء ، وهؤلاء بالحقيقة يجعلون كل محسوس ملموسا ، فإنهم يجعلون أيضا البصر ينفذ فيه شىء ويلمس ، ولو كان كذلك لكان يجب أن يكون المحسوس بالوجهين
__________________
(١) فيكون : + فى د.
(٢) أثره فى شىء ما ملموسا : أثره فى شىء ملموسا وأثره فى شىء ملموسا م.
(٣) وعنده : عنده م.
(٤) شكلا : شكل م.