للمادة إما لأن وجوده مادى ، وإما عارض له ذلك فتنزعه (١) عن المادة وعن لواحق المادة معها ، (٢) وتأخذه (٣) أخذا مجردا ، حتى يكون مثل الإنسان الذي يقال على (٤) كثيرين ، وحتى يكون قد أخذ لكثير طبيعة واحدة ، وتفرزه عن كل كم وكيف وأين ووضع مادى. ولو لم تجرده عن ذلك لما صلح أن يقال على الجميع.
فبهذا يفترق إدراك الحاكم الحسى ، وإدراك الحاكم الخيالى ، وإدراك الحاكم الوهمى ، وإدراك الحاكم العقلى. (٥) وإلى (٦) هذا المعنى كنا نسوق الكلام فى هذا الفصل ، فنقول : إن الحاس فى قوته أن يصير مثل المحسوس بالفعل ، إذ كان الإحساس هو قبول صورة الشىء مجردة عن مادته فيتصور بها الحاس (٧) ، فالمبصر هو (٨) مثل المبصر بالقوة ، وكذلك الملموس والمطعوم وغير ذلك ، والمحسوس الأول بالحقيقة هو الذي يرتسم (٩) فى آلة الحس وإياه يدرك ، ويشبه أن يكون إذا قيل : أحسست الشىء الخارجى كان معناه غير معنى أحسست فى النفس ، فإن معنى قوله : أحسست الشىء الخارجى ، أن صورته تمثلت فى حسى ، ومعنى أحسست فى النفس أن الصورة نفسها تمثلت فى حسى. (١٠) فلهذا يصعب إثبات وجود الكيفيات المحسوسة فى الأجسام. لكنا نعلم يقينا أن جسمين وأحدهما يتأثر عنه الحس شيئا ، والآخر لا يتأثر عنه ذلك الشىء أنه مختص فى ذاته بكيفية هى مبدأ إحالة الحاسة دون الآخر.
وأما ديمقريطس (١١) وطائفة من الطبيعيين فلم يجعلوا لهذه الكيفيات وجودا البته ، بل جعلوا الأشكال التي يجعلونها للأجرام التي لا تتجزأ أسبابا لاختلاف ما يتأثر فى الحواس باختلاف ترتيبها ووضعها. قالوا : ولهذا ما يكون الإنسان الواحد قد يحس لونا واحدا على لونين مختلفين : (١٢) بحسب وقوفين منه تختلف
__________________
(١) فتنزعه : فتنزعها د ، ك.
(٢) معها : معه ف ، م
(٣) وتأخذه : وتأخذها د ، م ؛ فيأخذه م
(٤) على : له.
(٥) الحاكم العقلى : العقلى د
(٦) وإلى هذا : ولهذا د.
(٧) الحاس : الحساس د
(٨) هو : ساقطة من ف.
(٩) يرتسم : ارتسم ك.
(١٠) حسى : نفسى ك.
(١١) ديمقريطس : ديمقراطيس د ، ك ، ف.
(١٢) مختلفين : ساقطة من ف ـ نسبتهما : نسبتها د ؛ نسبته ف.