البتة أن تتخيل صورة هى بحال يمكن أن يشترك فيها (١) جميع أشخاص ذلك النوع ، فإن الإنسان المتخيل يكون كواحد من الناس ، ويجوز (٢) أن يكون ناس موجودين (٣) ومتخيلين (٤) ليسوا (٥) على نحو ما يتخيل (٦) خيال ذلك الإنسان. وأما الوهم فإنه قد يتعدى قليلا هذه المرتبة فى التجريد ، لأنه ينال المعانى التي ليست هى فى ذاتها بمادية ، وإن عرض لها أن تكون فى مادة. وذلك لأن الشكل واللون والوضع وما أشبه ذلك أمور لا يمكن أن تكون إلا لمواد جسمانية وأما الخير والشر والموافق والمخالف وما أشبه ذلك ، فهى أمور فى أنفسها (٧) غير مادية ، وقد يعرض لها أن تكون مادية. والدليل على أن هذه الأمور غير مادية ، أن هذه الأمور لو كانت بالذات مادية لما كان يعقل خير وشر أو موافق ومخالف (٨) إلا عارضا لجسم ، وقد يعقل ذلك بل يوجد.
فبين أن هذه الأمور هى فى أنفسها غير مادية ، وقد عرض لها إن كانت مادية ، والوهم إنما ينال ويدرك أمثال هذه الأمور. فإذن الوهم قد يدرك أمورا غير مادية. ويأخذها عن المادة ، كما يدرك أيضا معانى غير محسوسة وإن كانت مادية. فهذا النزع إذن أشد استقصاء وأقرب إلى البساطة من النزعين الأولين ، إلا أنه مع ذلك لا يجرد هذه الصورة عن لواحق المادة ، لأنه يأخذها جزئية وبحسب مادة مادة ، (٩) وبالقياس إليها ، ومتعلقة بصورة محسوسة مكنوفة بلواحق المادة وبمشاركة الخيال فيها. وأما القوة التي تكون الصوره (١٠) المثبتة (١١) فيها ، إما صور (١٢) موجودات ليست بمادية البتة ولا عرض لها أن تكون مادية ، أو صور موجودات مادية ولكن مبرأة عن علائق المادة من كل وجه ، فبين أنها تدرك الصور بأن تأخذها أخذا مجردا عن المادة من كل وجه. فأما (١٣) ما هو متجرد بذاته (١٤) عن المادة فالأمر فيه ظاهر ، وأما ما هو موجود
__________________
(١) فيها : فيه د ، ف ، ك.
(٢) ويجوز : وليس يجوز د.
(٣) موجودين : موجودون م
(٤) ومتخيلين : متخيلين د ، ف ؛ ومتخيلون م
(٥) ليسوا : ساقطة من د
(٦) يتخيل : تخيل م.
(٧) أنفسها : نفسها م.
(٨) خير وشر أو موافق ومخالف : خير أو شر أو موافق ومخالف د ؛ خير أو شر أو موافق أو مخالف ك ، م.
(٩) مادة مادة : مادة د ، ك.
(١٠) الصور : الصورة ك.
(١١) المثبتة : المستثبتة ف ، م
(١٢) صور : صورة م.
(١٣) فأما : أما د ، م
(١٤) بذاته : بذاتها م.