وأما القوى المدركة من باطن فبعضها قوى تدرك صور المحسوسات ، (١) وبعضها تدرك معانى المحسوسات. ومن المدركات ما يدرك (٢) ويفعل معا ، ومنها ما يدرك ولا يفعل ، ومنها ما يدرك إدراكا أوليا ، ومنها ما يدرك إدراكا ثانيا. والفرق بين إدراك الصورة وإدراك (٣) المعنى أن الصورة هو الشىء الذي يدركه الحس الباطن والحس الظاهر معا. لكن الحس الظاهر يدركه أولا ويؤديه إلى الحس الباطن مثل إدراك الشاة لصورة الذئب أعنى لشكله (٤) وهيئته ولونه ، فإن الحس الباطن من الشاة يدركها ، لكن إنما يدركها (٥) أولا حسها الظاهر. وأما المعنى فهو الشىء الذي تدركه النفس من المحسوس من غير أن يدركه الحس الظاهر أولا ، مثل إدراك الشاة للمعنى المضاد فى الذئب أو للمعنى الموجب لخوفها إياه ، وهربها عنه من غير أن يدرك الحس ذلك البتة. فالذى يدرك من الذئب أول الحس الظاهر ثم الحس الباطن فإنه فيخص فى هذا الموضع باسم الصورة. والذي تدركه القوة الباطنة دون الحس فيخص فى هذا الموضع باسم المعنى. والفرق بين الإدراك مع الفعل والإدراك لا مع الفعل ، أن من أفعال بعض القوى الباطنة أن يركب بعض الصور والمعانى المدركة مع بعض ويفصله عن بعض ، فيكون قد أدرك وفعل أيضا فيما أدرك. وأما الإدراك لا مع الفعل فهو أن تكون الصورة أو المعنى (٦) يرتسم فى الشىء فقط من غير أن يكون له أن يفعل فيه تصرفا البتة. والفرق بين الإدراك الأول والإدراك الثاني أن الإدراك الأول هو أن يكون حصول الصورة على نحو ما من الحصول قد (٧) وقع للشىء من نفسه ؛ والإدراك الثاني هو أن يكون حصولها للشىء (٨) من جهة شىء آخر أدى (٩) إليها (١٠). فمن القوى المدركة الباطنة الحيوانية قوة بنطاسيا وهى (١١) الحس المشترك وهى قوة مرتبة
__________________
(١) المحسوسات ومن : من د.
(٢) ويفعل معا .... يدركه : ساقطة من م.
(٣) أوليا ... إدراكا : ساقطة من د.
(٤) لشكله : تشكله ك
(٥) لكن إنما يدركها : ساقطة من م.
(٦) أو المعنى : والمعنى ك.
(٧) قد : وقد ك ، م.
(٨) للشىء : ساقطة من م
(٩) أدى : أداها ف.
(١٠) إليها : إليه ف.
(١١) وهي الحس : والحس د ، ك ، م.