ثلاث ، وكما أن جنود العقل والجهل تساوى بعضها البعض عددا وعددا ، خمسة وسبعين بخمسة وسبعين ، كذلك هنا ، إلا في العدد فهما ، لأن الله تعالى لا ينهزم في المعركة ، طالما عباده ينهزمون لو لم يستعيذوا به كما يؤمرون ، وإذا لم يخرجوا من طاعة الشيطان إلى طاعته.
هنا تطلق الصفة أولا : (الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) ثم حدود العمل ومجاله : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) ثم العامل المحاول في التضليل : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ).
فبالصفات تعرف الذوات ، فذات الشرير ، الحيادية ، لا يجب دحرها ، إنما لصفاتها المعادية المتعدية : الوسواس ..
(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) : إن المضلل لا يأتيك كمصلل لتعرفه فتحذره فيخيب سعيه ، إنما يأتيك كمدلل ، فيوسوس في صدرك الذي فيه قلبك ، يوسوس إلى صدرك ويجتازه إلى قلبك ، فيملك زمامك في أمورك كلها لو انك فتحت له باب صدرك فقلبك فالوسواس قد يتخفى في الجانب الخفي من كيان الإنسان ، كالنفس الأمارة بالسوء : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٥٠ : ١٦) وكالشيطان (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) (٧ : ٢٠) فالنفس والشيطان يتخفيان في صدر الإنسان الذي هذا الفتحة الاصلية إلى قلبه.
أو أنه جلي في ذاته خفي في وسواسه ، كما الإنسان الشيطان كذلك : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) خفية او جلية.
فالجنة جمع الجان ، آي الخفي ، فتشمل النفس الأمارة بالسوء داخل كيان الإنسان ، والشيطان خارجه ، والناس هم الناس : الوسواس الجلي ، و «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك» والشيطان من الجن والإنس ، المنفصل عن كيانك ، لا يقدر ولا يجرو على وسواسك ما لم يجد تجاوبا من شيطانك الداخل «النفس الأمارة بالسوء» فالشيطانان الوسواسان هما المتعاملان المتعاونان في إضلال الإنسان.