لو لم تدركه الرحمة والعصمة الإلهية ، فعبادة الرحمان وعصيان الشيطان كلاهما بحاجة ماسة إلى تأييد الله وإعانته : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فكما لا عبادة دون استعانة كالعكس ، كذلك لا فرار عن الشيطان دون استعاذة ، كما لا استعاذة دون محاولة الفرار بكل ما لدينا من الطاقات.
هنا نعرف : لماذا يؤمر الرسول بالاستعاذة على عصمته؟ يؤمر بها لأن عصمته منوطة باستعاذته : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (١٧ : ٧٤) بعد ما هي مربوطة بمحاولاته لمنتهى المكنة والاستطاعة
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) :
إنه أمر أن يخبر العبد عن نفسه : أنه يستعيذ ، وليست الاستعاذة من مقولة اللفظ ، إنما هو يحكي عنها حكاية صادقة أم كاذبة ، والقرآن لا يأمرنا بالقول الكذب ، إنما يأمر هنا بما تتطلبها هذه المقالة ، من استعاذة عقائدية وعملية : أن نفرّ من شيطنات العقائد والأعمال ، مستعيذين حالها وقبلها وبعدها ، بالرب الملك الإله المتعال.
هذه الاستعاذة تستحضر من صفات الله ما به يدفع الشر ، الوسواس فعلى المستعيذ أن يستظل في ظلال الربوبية : علميا وتربويا ، وفي ظلال ملكيته طاعة واستقامة ، وفي ظلال الألوهية تخضعا وعبادة ، ولكي يعيذه الله تعالى من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.
وفي كل واحدة من هذه الثلاث كفاية لكي نتخذه تعالى وكيلا ومعيذا : يدل على ذلك عدم العطف هنا (.. بِرَبِّ النَّاسِ ، مَلِكِ النَّاسِ. إِلهِ النَّاسِ) فانه» ردف دون عطف ، وكما أفردت بذكر كل واحدة منها في آيات ثلاث : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٣٩ : ٦) (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (٧٣٠ : ٩) (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٥٧ : ٥) هذا ـ ولكنما الجمع بين الثلاث هنا ، فيه كمال