٢ ـ إنه حيوان سليم الطبع مؤالف مؤانس فليس من طبعه الأذى وإنما يستعمل قوته في الدفاع عن نفسه.
فهذا الفيل لم يستعمل قوته في خراب البيت رغم أصحابه ، إنه برك دون مكة لا يدخلها ، رغم ما جهد أصحابه في حمله على اقتحامها فبدل أن يفلحوا أفلجوا .. فلما ذا الكيد في هدم البيت وممن؟
إن ملك الحبشة (أبرهة ابن الصباح الأشرم) (١) المسيحي ـ جد النجاشي الذي كان على عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ آمن المسلمين المهاجرين إلى بلاده ، وآمن بالرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أبرهة هذا يبني كعبة باليمن لها قباب من ذهب وزخرفات مغرية ـ كعادة الكنسيين في كنائسهم ـ بناها حسدا على الكعبة المشرفة وعلى الطائفين حولها ، ولكي يزورها أهالي بلاده كما تزار الكعبة ، ولكي يجلب أنظار زوار البيت الحرام أيضا إلى بيته بدعايات ومغريات .. إلا أنه خاب سعيه إذ رأى أن العرب ـ يمنيين وسواهم ـ ليسوا بتاركي الكعبة المقدسة إلى الكعبة المزورة ، فإنهم كانوا يعتقدون أنهم أبناء إبراهيم وإسماعيل صاحبي هذا البيت العتيق ، وكان موضع اعتزازهم على طريقتهم بالفخر بالأنساب.
عندئذ عزم «أبرهة» على هدم الكعبة المشرفة ليصرف الناس عنها ـ واقعيا ـ إلى كعبته المختلقة ، وقاد جيشا جرارا تصاحبه الفيلة ، وفي مقدمتها فيل عظيم ذو شهرة خاصة عندهم ، فتسامع العرب به وبما قصد ، وعزّ عليهم أن تهدم كعبتهم ـ بيت عزهم ـ فوقف في طريقه من وقف ، يحاربوه ليصدفوه عن قصده ، فما انصدف ، إنه حاربهم بمن فيهم الأذواء والأشراف اليمنيون والنفيل الخثعمي في قبيلتين ، فهزمهم وأسرهم واستمر في طريقه ، حتى إذا مرّ بالطائف خرج إليه رجال من ثقيف قائلين له : إن البيت الذي تقصده ليس عندنا ، إنما
__________________
(١) مجمع البيان : أجمعت الرواة على أن الملك الذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح الأشرم.