(كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) :
«لو قد دخلتم قبوركم» ، إذ يرتفع الحجاب وغشاوة الجهل المعمّد بالانخلاع عن ستار الدنيا وحياتها.
(ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) :
«لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم» (١) علما هو أرقى ، علمان متتابعان يفوق بعضهما البعض ، بعد الجهل المتمادي ـ العامد ـ يوم الدنيا : كلا سوف تعلمون : عند سكرات الموت وهو بداية العلم ، وفي الكرّة : يوم قيام القائم (ع) ، بعد الموت ، ثم كلا سوف تعلمون ، في المحشر.
يا ويلاه! فهل إلى تحصيل هذا العلم يوم الدنيا من سبيل ، لنموت قبل أن نموت كما أمرنا : «موتوا قبل أن تموتوا» : ولنرى الجحيم قبل أن ندخلها فنتحرّز عن أسبابها؟ فهل من سبيل؟
أجل ـ لو أن حاول الملتهون بالتكاثر أن يعلموا علم اليقين ، فتحللوا عن
__________________
(١) هنا في الآية : كلا سوف تعلمون إلخ .. وجوه أقواها ما ذكرناه ، ويؤيده العلوي (ع): سوف تعلمون في القبر ثم سوف تعلمون في الحشر(نور الثقلين ج ٥ ح ٧) ومثله النبوي (نفس المصدر) وفي الدر المنثور ج ٦ ص ٣٨٧ في روايتين عنه (ص) مثله.
واحتمال ثان أن العلم الأول في الدنيا والثاني بعد الموت ، ويبعده أن كل المخاطبين هنا ليسوا من الذين سوف يعلمون وينتهبون ، اللهم إلا في سكرات الموت حين لا يفيدهم العلم ، ويقربه المروي عن الصادق (ع) قال يعني مرة في الكرة ومرة في يوم القيامة(البرهان ج ٤ ص ٥٠١ ح ٣) أقول الكرة هنا هي الرجعة في دولة الامام المهدى (ع) وليست للكل ، وقد يقال بما أن المخاطبين هنا هم الكفرة الذين محضوا الكفر محضا ، فهم كلهم حسب الروايات يرجعون ، ثم أقول : لا مانع من كون المرة الأولى للعلم شاملة للكرة ولسكرات الموت وما بعد الموت ، وبذلك يجمع بين الروايات ، إلا أن العلم بعد الكرة ـ إذا ـ تحصيل للحاصل قبل الكره بعد الموت ، إذا فما العلم هنا إلا عند الموت وبعده.
واحتمال ثالث أن الأول عند الموت والثاني في سؤال القبر ويبعده انهما على سواء ، فخط الموت وخطته واحدة ، لا تفاضل في الانتباه عنده وبعده.