(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) :
وحتى لأمثال أصحاب الأخدود لو تابوا وآمنوا وأصلحوا ، فإنه منبع الغفران والود ، بودّه يغفر ، وبمغفرته يودّ ، أفلا تائب يتوب وآئب يؤوب!.
فتأخير بطش الرب ـ الشديد ـ ليس للغفلة أو الإهمال ، فالظالم في قبضته بدءا وعودا فأين يفر؟ فقد يؤخر علّ البطاشين المتخلفين يتوبون ، ولأن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل.
(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ. فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) :
صاحب عرش الألوهية ، ولقد ذكر العرش في واحد وعشرين موضعا من القرآن ، مقرونة بقرائن قاطعة لفظية وعقلية ، تدل على أنه ليس عرشا يتكى عليه ، وإنما هو كناية عن ملكه تعالى ، ونفاذ أمره في مملكة الوجود ، واستيلاء سلطانه على رعيته.
إن ألوهيته تعالى ونزاهته عن ذوات المخلوقين وصفاتهم ، إنها برهان لا مرد له ـ عقليا ـ أن الذات والصفات والأفعال المنسوبة إليه ، مجردة عما للمخلوقين ، فإذ ينسب إليه العرش فهو إذا يجرد عن عروش المخلوقين المحتاجين إليها ، والمتكئين عليها ، فهو مجيد في ألوهيته وفي عرشه (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) وعروش الخلق ليست مجيدة : متسعة في الكرم والجلال ، وإنما ضيّقة داثرة متواضعة.
ولمجده تعالى في عرشه ، هو (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) وغيره تعالى من أصحاب العروش مغلوب على أمرهم ، لا يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون ، إذ ليسوا أمجادا في ذواتهم وصفاتهم وعروشهم (١).
إنه ليس إمهاله المجرمين لعجز أو جهل أو بخل أو نسيان أو ظلم وأمثالها ،
__________________
(١) تجد البحث الفصل عن العرش في المواضيع الأنسب فالأنسب.