(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) :
«فتنوا» * : أصل الفتن إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته ، واستعمل في إدخال الإنسان النار ، وعله أيضا لهذه الغاية ، قصدت أم لا.
فأصحاب الأخدود أحرقوا المؤمنين والمؤمنات بالنار نقما منهم وكراهية لهم ، فلم يقصدوا تخليصهم بهذه الفتنة عما ربما يلتصق بالمؤمن من رداءة ، ولكن الله فوقهم ، حقق فيهم معنى الفتنة فصبروا عليها وماتوا مخلصين ، ذهبا خالصة عن الأخلاط ، فلاقوا ربهم خلّصا عن الرداءة.
هذا ـ وعلى سبيل التهكم ـ يفتن الكافر أيضا على النار : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ ..) (٥١ : ١٣) : فتنة بفتنة ، تتشاركان في الحرق ، وتختلفان في نتاجه صالحا وطالحا ، فالفتنة ، منها مفلحة كما للمؤمنين ، ومنها مسقطة كما للكافرين (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٩ : ٤٩).
(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) بمختلف العذاب وعذاب الحريق ، (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ) الجزاء الوفاق : (عَذابُ جَهَنَّمَ) كمبدأ العذاب الذي ذاقه المؤمنون منهم (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) بما أحرقوهم في الأخدود ، جهنم بما فعلوا ، وحريق بالأخدود ، ولكن أين حريق من حريق؟ في شدته ومدته ، في؟؟؟؟ ، وعدّته ، في عذابه ورحمته!.
فحريق الأخدود نار أوقدها إنسانها للعبه ، وحريق جهنم نار سجّرها جبارها لغضبه ، ثم الأوّل تنتهي للحظات ، والآخر آباد لا يعلمها إلا الله ، ومع حريق الأخدود رضي الله عن المؤمنين ، وانتصار لحق الإيمان ، ومع حريق الآخرة غضب الله والارتكاس الهابط الذميم.