ثم حمل من بقي على النصرانية بنجران أن يتهودوا فأبوا ، فاتخذ لهم أخدودا وأشعل فيه النار ، فمنهم من أحرق بالنار ومنهم من قتل بالسيف ، ومثل بهم كل مثلة ، وبلغ عدد الضحايا عشرين ألفا» (١).
أقول : وما سوى أخدود النار لا يلائم الآيات.
ورويت روايات أخرى مختلفة في أصحاب القصة وكيفيتها ، لا تهمنا تفاصيلها ، فنجمل عنها كما القرآن أجمل ، ولندرس فيها درس التضحية والفداء في سبيل الله ، وكما عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : «ما ذكرت أصحاب الأخدود إلا تعوذت بالله من جهد البلاء» (٢).
وعن حفيده الإمام الصادق عليه السّلام قوله : «قد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير ، وتضيق عليهم الأرض برحبها ، فما يردهم عما هم عليه شيء مما هم فيه ، من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم ولا أذى ، بل ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، فاسألوا ربكم درجاتهم ، واصبروا على نوائب دهركم تدركوا سعيهم»(٣).
(إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ. وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) : قتلوا (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) على الأخدود ـ لا فيه ـ على شفير النار ومشارفها ، البعيدة عنها عرضا وعمقا ، دون أن يتأثروا بها ، إلا تفرّجا ونزهة ، فالداخل في النار لا يقعد فيها ، إنما يقوم ويقعد ويقفز محاولة الفرار.
(وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) : حضور يسمعون صرخاتهم
__________________
(١) نور الثقلين ٥٤٤ في تفسير علي بن ابراهيم القمي.
(٢) الدر المنثور ٦ : ٣٣٣ ، أخرجه عبد الحميد عن الحسن عنه (ص) ، وابن أبي شيبة عن عوف عنه (ص).
(٣) نور الثقلين ٥٤٧ في روضة الكافي محمد بن سالم بن أبي سلمة عن أحمد بن الريان عن أبيه عن جميل بن دراج عنه (ع).