والشاهد هنا يعم كافة الشهداء : «إلهيا وملائكيا وبشريا وكونيا وعضويا ، تلقيا وإلقاء بأنواعها ، فليس الإفراد والتنكير في «وشاهد» يعني فردا ما ، وإنما هو لتعظيم جنس الشاهد أيا كان.
«ومشهود» : مشهود هو الأعمال تلقيا ، ومشهود به هي إلقاء : شهده وشهد به ، ومشهود له أو عليه هو العامل ، ومشهود فيه مكان الشهادة بنوعيها ، فلم يقل : «ومشهود عليه أو له أو فيه أو به» ولكي يشمل الكل إذ ألغيت المتعلقات وجرّد المشهود ، عنها : (وَمَشْهُودٍ).
ثم الشهادة ـ تلقيا وإلقاء ـ تختلف حسب اختلاف الشهود ، فالشهود النفسية والعضوية والكونية تتلقى وتلقي صور الأعمال وأصوات الأقوال ، والشهود الملائكية والبشرية يشهدون باللسان كما شهدوا بالأبصار والبصائر وحفظوا بالأذهان ، وعلّ الشهود الملائكية ـ إضافة إلى اللسان ـ يشهدون بما كتبوا ، لو أن كتابة الأعمال تشملها ، فالملائكة هم الكرام الكاتبون.
من هنا نعرف أن مختلف الروايات في تفسير (شاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) تعني المصاديق التي تشملانها :
فإذا يفسر الشاهد بالله فلأنه خالق الشهداء وموفّقهم لتلقّيها وإلقائها ، المهيمن على ذلك كله ، كما المشهود هنا أيضا يوم الدين (١).
وإذ يفسر بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والمشهود بيوم القيامة ، فإنما محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم هنا المتلقي للشهادة يوم الدنيا ، والملقي لها يوم الدين ، وهو مشهود فيه : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) (١١ : ١٠٣)(٢).
__________________
(١) عن ابن عباس.
(٢) عن الامام الحسن بن علي (ع).