تزييلا للحجب التي حجبت بعضهم عن بعض فأوردتهم في هوات الإشراك بهم كما حجبت عنهم سائر الحقائق المعنية ، وذلك تزييل ثان في الأخرى بعد الأول في الأولى حيث زيل بين كل المشركين وشركاءهم غشاء الإشراك بما فطرهم الله. كسائر المكلفين ـ على التوحيد ، إضافة إلى سائر الآيات الأنفسية والآفاقية التي تصرخ من أعماق الكائنات بوحدانية الله بكل مراحلها ، ومن الفارق بين التزييلين ، أن الأول يعني التزييل بين المكلفين والحقائق المعنية بتذييل المساعي للحصول عليها جهادا متواصلا لإزالة كل الغشاوات والحجابات بينهم وبينها ، سواء التي تحصل على أنفسهم الأمارة بالسوء ، أو التي يختلقها شياطين الجن والإنس ، ثم تبنّي الفطرة العقلية الإنسانية والشرعة الربانية لتكامل المعرفة وصالح العقيدة والعملية وفقها.
ولكن التزييل في الأخرى لا يكلف تذييلا لمساعي حيث انقضى دورها بانقضاء دار التكليف بدورها ، فلا مغطي لما يزيل الله في الأخرى وفي الأولى غطاءات آفاقية وأنفسية ، وحجج الله بالغة في التزييل هنا وليست الضلالة إلا ترك المساعي المعنية في دار التكليف.
ولا فارق بين التزييلين إلّا أن الأولى لم يكن عيانا قضية دور التكليف ، وإنما كان بيانا في كتابي التكوين والتشريع ، ثم عيانا يوم الحساب قضية كشف الغطاء عما يصح كشفه ويصلح ، فرحة للصالحين وقرحة للطالحين.
(وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) ككل من جماد أو نبات أو حيوان أو ملك أو جان أو إنسان دونما استثناء لشريك مختلق إلّا و «قال» كما حشر مع عابديه.
وترى كيف «قال» ولا قال إلا لذوي القال المعروف قوله؟ «قال» هنا بالنسبة لغير ذوي القال باللسان هو «قال» الحال بعد ذلك التزيّل ، مسموعا بسمع القلب بعيان الحال ، وكما في السماء والأرض بعد قول الله لهما : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٤١ : ١١) قولا بحال التذلل والانقياد والطواعية لأمر الله دون أي تمنّع.
ثم هو بالنسبة لذوي القال من ملك أو جان أو إنسان ، هو قول