اللسان كلمة واحدة : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ).
وتراه كذبا ، إذ كانوا إياهم يعبدون؟ و (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (٧٨ : ٣٨) وذلك كذب تباب ، وحتى لو أذن لهم في كذب قضية الفضيحة هناك على رؤوس الأشهاد ، فلا بد ـ إذا ـ من الرد عليه قضية أن القرآن كتاب هدى لا يحمل ضلالا إلّا لتزييفه.
هنا (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) إن كانت «ما» نافية ، تعني سلب الحصر قضية تقديم المفعول ، كما العكس في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهذا صدق دون ريب لأن العابدين من دون الله ما كانوا يحصرون عبادتهم فيما يعبدون ، فهم كأصل إنما كانوا يعبدون أهواءهم ، وعلى هامشها يعبدون ما يعبدون من شركاءهم ، إشراكا بينها دونما توحيد.
فقد يتبرء الشركاء تخفيفا عن محظور عبادتها أن لم نكن في ذلك الميدان مختصين بتلك العبادة ، فإن هناك الشريك الأكبر هو أهواءهم ، ومن وراءها عبادتنا كشركة متساهمة ، إذا فنحن كلنا مؤاخذون فيما دعونا إلى عبادتنا أم قبلناها دون دعوة ، إلّا (الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) (٢١ : ١٠١) وهم الصالحون إذ لا قصور لهم ولا تقصير ولا دعوة ولا استجابة في حقل عبوديتها للمشركين ، ومعهم غير الطواغيت ، من جماد ونبات وحيوان ، قضية خروجها عن محور الدعوة والتكليف.
وقد يتأيد ذلك السلب ب (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) (١٦ : ٨٦) إذ (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ).
وباحتمال ثان إذا كانت «ما» استفهامية : ما الذي كنتم إيانا تعبدون (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) فالصالحون هناك كما هنا يستنكرون ، لما ذا عبدتمونا ، فرحين أن لم يقصروا ، والطالحون هناك قرحون لما ذا قصّروا هناك فقصروا هنا عن جبره هنا إذ لات حين مناص ، وقد مضى يوم خلاص.
إذا ف (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) صادقة في وجهي الإخبار والإنشاء ،