مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) : الليل مظلما وهو غسقه دون نور من القمر ، ثم «قطعا» منه ركاما ، فلا نور فيه أبدا (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) فقد رقعت وجوههم المظلمة برقع من أظلم ظلم الليل فأصبحت ملفعة بأغشيته البهيمة.
ورغم أن الليل لا يوصف بقطع متفرقة وأجزاء منتصفة ، فقد يعني هنا «قطعا» أنه لو كان مما يتبعض وينفصل لأشبه سواد وجوههم أبعاضه وقطعه ، وهنا «مظلما» حالا من «الليل» لأنه قد يكون مقمرا وأخرى مظلما ، فالتشبيه هنا واقع بموقع أسود ما يكون الليل جلبابا وأبهم أثوابا.
ف (الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) تغشاهم وتركبهم وتكربهم قتر وذلة وظلمة خالصة كالسة عن أي نور ، فلأنهم كانوا هنا أصحاب العار فهناك «هم (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) في ظلام النار وقتامها ، وهم رفاقها ما داموا ودامت جزاء وفاقا محدودا بحدود سيئاتهم دونما مزيد لأنه من عدله ، وهناك مزيد لأنه من فضله.
ذلك ومن الواجهة الأدبية للآية ، الواو في «والذين» عطف على (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) ف (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) ، دون الأسوء فضلا عن «زيادة» لأنهما ظلم تعالى الله عنه ، وإنما (سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) فهي محدودة بحدودها دون خلود لا نهاية له كما يفترى على الله!.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ)(٢٩).
«نحشرهم» أولاء المحسنين ، والمسيئين بشركائهم «جميعا» دون إبقاء فإنه يوم الجمع الأكبر حيث لا يبقي ولا يذر (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله ـ ككل ـ دون إبقاء أيا كانوا من دركات الإشراك وأيان ، الزموا «مكانكم» متميزين عن الموحدين في مكان كما في مكانة : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) (٣٦ : ٥٩).
(مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) دون أي حراك أو عراك (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ)