وهذه الكلمة هي كلمة العذاب للأخرى ، ومعها العذاب للأولى (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فلأنهم لا يؤمنون حقت عليهم كلمة العذاب ، ولأنهم فسقوا حقت كلمة ربك أنهم لا يؤمنون.
ف «أنهم» ذات وجهين هذين ، محذوفا عنها اللام تعليلا ل (حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ) وغير محذوف ف «انهم» بدل ل (كَلِمَةُ رَبِّكَ) يوضحها ، فالكلمتان ـ إذا ـ معنيتان.
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٣٤).
تلك هي بداية الخلق وأصل التدبير حيث تعترفون أنهما لله ربكم الحق ، وقضيته أن تعبدوه مخلصين له الدين ، ثم من ناحية أخرى هي عود الخلق يوم الميعاد الحساب هي الأخرى الخاصة بالله ربكم الحق ، ف (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) بحذافيره وتفاصيله (ثُمَّ يُعِيدُهُ) ولأنهم ينكرون المعاد بعد إقرارهم بالمبدإ ، فهنا : (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) لا سواه (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) حيث تؤخذون بكل إفك وزور إلى اتخاذ شركاء لله وكأنها آلهة من دون الله.
ذلك ، ومن ناحية أخرى ثالثة بعد انحصار البدء والإعادة بالله وانحسارهما عما سواه :
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(٣٥).
هنا الفارق بين (يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) و (يَهْدِي لِلْحَقِ) أن «إلى» للغاية و «ل» للنهاية ، حيث الله يوصل من يشاء الحق ، فله هدايتان اثنتان ، أولاهما الهداية إلى الحق ببيناته وهي الدلالة إليه ، وأخراهما الإيصال إليه من هو مهتد إليه ف (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٢٨ : ٥٦).