أو غفران سيئة أحصتها كتبه ، وحفظها رسله ، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه ، وأخاف عليكم من عقابه ، والله لو انماثت قلوبكم إيمانا ، وسالت عيونكم ـ من رغبة إليه أو رهبة منه ـ دما ، ثم عمّرتم في الدنيا ما الدنيا باقية ، ما جرت أعمالكم ، ولو لم تبقوا شيئا من جهدكم أنعمه عليكم العظام ، وهداه إياكم للإيمان» (الخطبة ٥٢).
«أما بعد فإني أحذّركم الدنيا ، فإنها حلوة خضرة ، حفّت بالشهوات ، وتحببت بالعاجلة ، وراقت بالقليل ، وتحلّت بالآمال ، وتزينت بالغرور ، لا تدوم حبرتها ، ولا تؤمن فجعتها ، غرّارة ضرّارة. حائلة زائلة ، نافدة بائدة ، أكّالة غوّالة ، لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها ، والرضا بها أن تكون كما قال الله تعالى :
(كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) ـ
لم يكن امرؤ منها في حبرة إلا أعقبته بعدها غيره ، ولم يلق من سرّائها بطنا إلّا منحته من ضرائها ظهرا ، ولم تطلّه فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء ، وحري إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكرة ، وإن جانب منها اعذوذب واحلولى امرّ منها جانب فأوبى ، لا ينال امرء من غضارتها رغبا إلا أرهقته من ثوابها تعبا ، ولا يمسي منها في جناح أمن إلّا أصبح قوادم خوف ، غرّارة غرور ما فيها ، فانية فان من عليها ، لا خير في شيء من أزوادها إلّا التقوى ، من أقل منها استكثر مما يؤمنه ، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه وزال عما قليل عنه ، كم من واثق بها قد فجعته ، وذي طمأنينة قد صرعته ، وذي أبّهة قد جعلته حقيرا ، وذي نخوة قد ردته ذليلا ، سلطانها دول ، وعيشها رنق ، وعذبها أجاج ، وحلوها صبر ، وغذاءها سمام ، وأسبابها رمام ، حيّها بعرض موت ، وصحيحها بعرض سقم ، ملكها مسلوب ، وعزيزها مغلوب ، وموفورها منكوب ، وجارها محروب ـ
ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعمارا ، وأبقى آثارا ، وأبعد