ولا طمها الموج وحطها وشالها ودار بها كالريشة الضائعة في الخضم ، وأهلها الهائلين في فزع (ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) بعاصف الريح ومحلق الموج ، عند ذلك وقد انقطعت ظاهرة الأسباب وحارت دونه الألباب برزت فطرهم المحجوبة المغيبة ظاهرة متبلورة متعرية عما ألمّ بها من أوشاب وتنفضّ قلوبهم ما ران عليها من تصورات وتنبذ الفطرة الأصلية السليمة بالتوحيد الخالص عن الإشراك الكالس الفالس ، ف (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) قائلين (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ) الورطة الهالكة الحالكة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لأنعم الله ، غير ماكرين بآيات الله.
(فَلَمَّا أَنْجاهُمْ) بخارقة غير مترقبة فهدأت العاصفة وطمأن الموج وهدأت الأنفاس اللاهثة وسكنت القلوب الطائرة الحائرة ، ووصلت الفلك إلى الشاطئ آمنة واستقرت أرجلهم على اليابسة (إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) متناسين العدل والحق ، غافلين (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) فمهما بغيتم على غيركم فهم مظلومون فسيرحمون ، فقد بقي بغيكم على أنفسكم لزاما وحزاما عن رحمة الله عليكم في الدارين ، وليست فاعلية ذلك البغي مهما طال إلّا (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) جذوة من خطوة متخيلة «ثم» بعدها (إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ) إنباء علميا ، وعينيا بمشاهدة أعمالكم ، وواقعيا بتحولها عقوبات (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
وهذه طبيعة الإنسان الجهول الغفول انه ينسى ربه عند الراحة والرحمة ، ثم يذكره عند العاهة والزحمة ، وريثما ينجيه الله عنها فإذا هو يبغي في الأرض بغير الحق و (مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) (١٠ : ١٢) وهذه الآيات هي من آيات حكم الفطرة المتكشفة إلى الحق المبين ، دليلا صارما على الله (١).
__________________
(١) وفيه عن تفسير القمي قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه الذي كتب إلى شيعته ويذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة وعظم خطاء طلحة والزبير فقال : وأي خطيئة أعظم مما أتيا ، أخرجا زوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بيتها وكشفا عنها حجابا ستره الله عليها وصانا حلائلهما في بيوتهما ، ما أنصفا لله ولا لرسوله من أنفسهما ـ