وترى كيف تعدى «كذب» هنا بالجار «به»؟ ذلك لأن المتعدي إليه هنا محذوف هو الله ، أن كذب الله بآياته ، نكرانا لها واستنكارا بدلالاتها ، رغم أنها آيات تصديقه ، ومن أنحس الكفر أن يتذرع بذريعة التصديق بالتكذيب! : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (٢٣ : ١٠٥) (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ)(٨٢ : ٩).
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(١٨).
(لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) سلبان اثنان لأمرين هما لزام العبودية لأقل تقدير أن يعبد معبود مخافة ضره أو مجلبة نفعه نتيجة عبادته ، فهم يعبدون ميتات لا حول لها ولا قوة لأنفسها فضلا عن عابديها : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) (٣٦ : ٧٥) (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ) الأصنام (شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (٣٩ : ٣).
(قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) حيث يندد على مرّ التاريخ بما يسمونه له شركاء ، فهلّا يعلم ما علموه وعرفوه من شركاء ما لا بد وأن يعلمها فيتخذها لنفسه شركاء (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
ولقد كان المشركون يوجهون عبادتهم لهذه الأصنام انها تمثل المقربين عند الله ، وهم يمثلون الله ، فلأننا أنزل وأنذل من أن نعبد ربنا دون وسيط لعلو ساحته وسمو سماحته فلنوسط بيننا وبينه من يحبه ، ولأن هؤلاء الأكارم بين أموات ومن لا تصل إليهم أيدينا فلنوسّط هذه الأصنام التي هي أمثال لهم ولنعبدها لتشفع لنا عند الله ، (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).
يقال لهم : يا أغبياء ، ليست العبادة بالمواجهة ، ثم الله هو الذي