وكلاهما افتراء على الله أن يتلو عليهم قرآنا من تلقاء نفسه ويفتريه على الله ، أم من الله ثم يفترى على الله أنه قد يغيره أو يبدله بهذه التطلبات ، ويكأن الله يشرع شرعته حسب مرضاتهم أولائك الحمقاقى الأنكاد.
وهنا (عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) وهو أربعون سنة ، مما يدل على أنه متوسط العمر وكماله وأن الذي يعيش ذلك العمر على وتيرة خاصة ، ليس ليبدلها إلى ما يضادها ، ولا سيما الأمين الذي لم يخن الناس قبل دعوى الرسالة ، فمحال أن يخون ربه بعد دعواها ، ولو كان ممن يخون الله لكان يدعي الألوهية حيث القرآن آية ألوهية الصادر عنه ، دون أن يتنازل عما يمكنه إلى رسالة لا يملك إلّا بلاغها من الله إلى العالمين!.
أجل (عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ) وما أدراك ما ذلك العمر المعمّر من قبل الله ، المدمر من قبل جوّه الذي ولد فيه وعاشه في ظاهر الأمر ، وعين الله ترعاه طيلة طفولته حتى شبابه وحتى آخر عمره ...
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يتيم مكة الجدباء ، حيث لا ماء فيها ولا كلاء ، الفقيرة ماديا ومعنويا ، اللاهية الرمضاء ، الصعبة المعاش ، المعتمدة على بلاد أخرى في بلغة العيش.
نشأ لا كما ينشأ سائر الطفولة ، فقد فقد أباه وهو جنين ، أرهق الحزن أمه آمنة إثر وفاة زوجها ، فهي ـ إذا ـ غير آمنة على أريحية حياتها وحياة طفلها ، وقد جف ثديها فارتضع من حليمة السعدية ... وماتت آمنة ولما يبلغ محمد الثامنة ، فكفله جده عبد المطلب ، وبعد أن مات كفله عمه أبو طالب ...
وحين يترعرع ببالغ الصباوة وحالق الشباب يرى المجتمع المكي متصدعا يعيش في تناقض وتباغض طبقي ، يرى حفنة من الناس أغنياء أثرياء يسكنون الراقيات ويأكلون بصحاف ذهبية وفضية ، ويملكون الألوف ومشيدة القصور ومكثفة الحور ، ويملكهم كل غرور الغرور.
ويرى بجنبهم «الأذلة» وهم السواد الأعظم من أهل مكة ، الذي مزقهم الاستبداد ، ومحقهم ، فمنهم الصعاليك وذؤبان العرب ولصوص