ورائي ، غير أني حيث تفرّد بي ـ دون هموم الناس ـ همّ نفسي ، فصدّقني رأيي ، وصرفني عن هواي ، وصرّح لي محض أمري ، فأفضى بي إلى جدّ لا يكون فيه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، وجدتك بعضي ، بل وجدتك كلي ، حتى كأنّ شيئا لو أصابك أصابني ، وكأنّ الموت لو أتاك آتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي ، فكتبت إليك كتابي مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت ـ
فإني أوصيك بتقوى الله أي بنيّ ، ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به ـ
أحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزّهادة ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت ، وقرّره بالفناء ، وبصّره فجائع الدنيا ، وحذّره صولة الدهر ، وفحش تقلب الليالي والأيام ، .. فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والخطاب فيما لم تكلّف ، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك ، وجاهد في الله حق جهاده ، ولا تأخذك في الله لومة لائم ، وخض الغمرات للحق حيث كان ، وتفقّه في الدين ، وعوّد نفسك التصبّر على المكروه ، ونعم الخلق التصبّر في الحق ... ورأيت .. أن أبتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله ، وشرايع الإسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، ولا أجاوز ذلك بك إلى غيره .. وليس طالب الدين من خبط أو خلط .. وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ، ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك ، فاعتصم بالذي خلقك ، ورزقك وسواك ، فليكن له تعبدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك ... اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحبّ لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحب أن لا تظلم ، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك ، وارض من الناس