شركة مع الله تخويلا وتوكيلا وتفويضا ، تجافيا أم خلقا فيهم مماثلا لما عنده ، وهم ليسوا إلا حملة وحي الله بلاغا إلى عباد الله ، كما ولا يملكون وحي الله اجتلابا واجتذابا من الله ، فإن رسالاتهم ليست إلا من الله ، فكذلك مادة الرسالة وهي الوحي ، وآيتها وهي آيات رسالاتهم.
لذلك ترى عشرات من الآيات المستعرضة لرسالاتهم وآياتها ، تفصل بينهم وبين العلم والقدرة في حقل رسالاتهم وحيا بآيات رسالاتهم إثباتا لها.
وعلى أية حال ليس الرسل آلهة آخرين غير الله ، مستقلين أمام الله ، أو مستغلين تفويض الله لكي يفعلوا ما يفعله الله ، إنما هم رسل يحملون أحكام الله إلى عباده دون شطر كلمة أماهيه من تلقاء أنفسهم.
فسواء أكان التلقاء مستقلا ، أو مأذونا مستغلا ، فإنه على أي الحالين تلقاء ، و (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) تعم أي تلقاء ، ما لم يكن بوحي خاص ناصّ من الله في كل جليل أو قليل : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) فاتباعه نفسه في تشريع أم تبديل لحكم وسواه من الوحي خارج عن الحصر.
ثم الرسول الذي لا يسمح له أن يحرك لسانه بتفصيل القرآن بعد معرفة إجماله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (٧٥ : ١٦) (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (٢٠ : ١١٤) أنّى لهذا الرسول أن يأتي بغير هذا القرآن أو يبدله بصياغته اللفظية والمعنوية ، المتحدى بهما على العالمين؟!.
ذلك ، وكيف يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي وأنتم تشكون مفترين علي فيما يبدله الله من آية : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٦ : ١٠١) ف (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ..) (٢ : ١٠٦).
(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(١٦).