ثم الاستقامة في سلوك مسلك الحق هي بحاجة إلى قوامة الحق وتقريره ، وإزالة الباطل وتهديره ، فكيف يركن في هذه السبيل إلى قاطعيها بظلم أيا كان.
والركون إلى الظالمين تصديقا لوعدهم وما أشبه محظور في كثير وقليل ، وقد سلبت قلته تثبيت الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه فيما هو مظان ركونه إلى وعودهم الخاوية أنهم في سبيل الإيمان : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً. إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً)(١٧ : ٥).
فمحظور الركون إلى الظالمين معلّل بظلمهم ، ركونا إلى علومهم ووعودهم فضلا عن حكمهم وإمرتهم ، فلا يركن المؤمن العائش سبيل الله ، إلّا إلى الله ، وإلى أهل الله وبإذن الله ، وكيف يركن إلى الظالم نفسه وسواه ، ولا ركون إلى العادل ما لم يتثبت عدم خطإه؟.
وترى الركون إلى الظالمين فقط يدخل النار أو يخلّد في النار؟ كلّا ، وإنما (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) قدر مساس الركون إليهم (١) ولأن مس النار دركات فهي حسب دركات الركون إلى الظالمين ، فقد يعبر عن الدخول والخلود بالمس ك : (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٥ : ٧٣) (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٦ : ٤٩) (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) (١١ : ٤٨).
فلأن الركون إلى الظالمين لا يحتّم دخول النار أو الخلود فيها لأنه دركات ، عبّر هنا عن خلفيته ب «تمسسكم النار» لكي يتسع النطاق تحليقا على كل دركات الركون إليهم.
__________________
ـ وفيه عن الخصال عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيما كان أوصى به أن قال : لا تركن إلى ظالم وإن كان حميما قريبا.
(١) نور الثقلين ٢ : ٤٠٠ في تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية قال : أما إنه لم يجعلها خلودا ولكن تمسكن فلا تركنوا إليهم.