فلذلك نسمع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «شيبتني هود» على عصمته الرسالية ورقابته العالية الدائبة.
ففي الفترات الأخيرة من عمره الرسولي ـ وهي أهم فتراته ـ حين ينفض يديه عن بلاغه الرسالي العظيم ، عليه أكثر مما مضى أن يستقيم كما امر ومن تاب معه.
فقد نجده (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤمر في بداية أمره بالقيام (قُمْ فَأَنْذِرْ) (٧٤ : ٢) وهنا في النهاية (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) ووسطا بين الأمرين (فَاسْتَقِمْ كَما (١) أُمِرْتَ) دون (مَنْ تابَ مَعَكَ) مرحلية في مواجهة عراقيل الدعوة بقيام واستقامة شخصية ، وثم استقامة جماهيرية ، طلبا لكل قوامة وقيام من نفسه ومن الآخرين لإقامة الهيكل الإسلامي السامي على أساس قويم قويم لا ينهدم ، وبعروة وثيقة لا تنفصم.
وهنا (كَما أُمِرْتَ) إشارة إلى أمر الاستقامة في الشورى بزيادة (مَنْ تابَ مَعَكَ) هنا ، وأخرى إلى سائر الأمر في ذلك الحقل ك : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٠ : ١٠٥) (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) (٣٠ : ٣٠) (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) (٣٠ : ٤٣).
فقد عاش (صلى الله عليه وآله وسلم) حياته الرسولية قياما واستقامة في الدعوة بكل واجباتها وواجهاتها ، ولكنه هنا يؤمر بما امر من ذي قبل وزيادة (مَنْ تابَ مَعَكَ) وهي التي شيبته إذ كلف مع نفسه غيره.
هنا (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) معطوفة على ضمير الفاعل في «استقم» فقد تعني وليستقم من تاب معك ، حيث هو المسئول عن استقامتهم بما يتكلف من تقويمهم هكذا.
ثم (وَلا تَطْغَوْا) والقصد منه وجاه الاستقامة تركها ، فكما الاستقامة من التقوى ، كذلك تركها من الطغوى (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
ذلك ، فعدم الطغوى وعدم الركون إلى الذين ظلموا ثم إقام الصلاة