تجري بأمر لا يعني أنها سنة لا تتبدل ، وخارق العادة سنة متميزة خاصة في عامة السنة ، وكلاهما مما سنّه الله.
ثم و (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) الرسالي ، رحمة وبركة مميزة خارجة عن المتعودة الجارية ، فكما الرسالة رحمة متميزة ، كذلك مثل هذه الولادة متميزة عن سائر الولادات. (إِنَّهُ حَمِيدٌ) في رحمته وبركاته «مجيد» في عطياته.
(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)(٧٥).
هنا (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) إذ بشر بعذابهم من (أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) وقد تعني هذه المجادلة غير المجادلة ، استرحام الاستعفاء عن هؤلاء المجرمين ، علّهم يتوبون ويثوبون إلى ربهم (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ) في خلقه «أوّاه» : كثير الرجوع إلى ربه «منيب» إليه عما ربما يخطأ كمثل هذه المجادلة الملتجأة غير الملجأة.
فالحليم الذي يحتمل أسباب الغضب وموجباته فيصبر ويتأنى ولا يثور ، وهو يحتمل أن شفاعته عند ربه تفيد ، والأوّاه : الذي يتضرع في دعاءه واستدعائه ، يستدعي ربه متضرعا علّه يجيبه ، والمنيب : المسرع إلى ربه مختجلا مما قصر أو قصّر علّه يعفو عنه ، هذا الحليم الأوّاه المنيب أخذ (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) ومثلث المواصفات الجميلة مما يدل على أن هذه المجادلة لم تكن مجالدة ، وإنما هي استبقاء إياهم إن أمكن.
(يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)(٧٦).
(أَعْرِضْ عَنْ هذا) الأمر ، ل (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) المحتوم بعذابهم ، أمرا غير مردود ، ثم (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) إذ (لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (٦ : ١٤٧) (١).
__________________
(١) البحار ١٢ : ١٦٣ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما جاءت الملائكة في هلاك ـ