السؤال! ، ثم (إِلَّا تَغْفِرْ لِي) صدا عن هكذا سؤال غفر الدفع ولمّا يحصل ، دون غفر الرفع بعد ما حصل (وَتَرْحَمْنِي) حدا صالحا بكل سؤال (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) موقف العبودية السليمة وكامل التسليم.
وأقصى ما يحتمل هنا أن سؤاله الاستعلام أيضا كان غير محبور ولا مشكور ، فإنه كان يعلم أنه تعالى (أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) وأن «ابنه من أهله» وقد استثنى أهله (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) ومع الوصف أهلك ابنه مع سائر الظالمين ، وقضية الأدب الرسالي هي كامل السكوت في مثل ذلك الموقف الرهيف الرعيب.
ولكنه لمّا يسأل ـ مهما كان في حضون السؤال ـ ذلك السؤال الاستعلام حتى أدركته العصمة الربانية فلم يسأل ، وكل ما في الأمر أنه عرض المسرح بموقفه منه راجيا أن يوضّح له ربه ليعلم بعد جهل ، وهو عرض أديب أريب ، ولكنه تعالى أراده ألّا يسأل ولا يطرح مسرح السؤال ، وقد فعل فلم يسأل استعلاما فضلا عن اعتراض ، وإنما عرض الموقف كما عرضه أيوب : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) (٣٨ : ٤١) عرضا دون أي سؤال لا محبور ولا محظور.
ذلك ، ففي مثلث العرض : الاستعلام والاستفهام والاستفحام ، لم يكن من نوح (عليه السلام) حسب النص إلّا العرض ، وقد كفاه ربه عن استعلامه ب (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) ونهاه عن مستقبل سؤال : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ. قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ..) ، ولو اعتبر العرض للسؤال ـ أيضا ـ سؤالا ، فغاية ما فيه أنه رغم كونه من حسنات الأبرار ، هو من سيئات المقربين ، فلا تنافي كيان العصمة الرسالية.
فهل إن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يؤمر بالسؤال : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) إذا سأل ما يجهل يفعل محظورا؟ فضلا عن العرض للسؤال وهو أدب في حقل السؤال ، فليس ذلك العرض من سيئات المقربين ، فضلا عن كونه سيئة في شرعة الله ، مهما كان سؤاله عن أمره تعالى دون سؤال نوح (عليه السلام).