ذلك ، فلا دور لقيلة الجمعية المرسلين الإمريكية ـ بعد الاعتراض عليهم أن التوراة ينسب إلى نوح (عليه السلام) شرب الخمر الفادح ـ أن «هناك أيضا معاصي ينسبها القرآن إلى نوح ومنها طلبه ما لا يجوز (١١ : ٤٧ ـ ٤٩) : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ..) وزجره الله وهدّده في سؤاله هذا وهو طلب منه المغفرة وهذا دليل على أنه أذنب ..»؟.
فإن دليلهم عليل حيث النص لا يدل على سؤاله ، بل هو عرض هو في معرض سؤاله ولمّا يسأل ، ثم (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) تلحيقا لهذا العرض ينبئ عن بالغ أدبه وتسليمه لربه.
فلم يكن هناك سؤال ، أم ولا إرادة سؤال ، ولأنه ـ وإن كان استعلاما ـ قد ينافي سليم التسليم الرسالي لرب العالمين و ـ حسنات الأبرار سيئات المقربين ـ لذلك أدركته العصمة الربانية كيلا يقع في محظور ذلك السؤال ـ وإن لم يكن محظورا ككلّ في شرعة الله ـ فنهاه ربه عنه فضلا عما علاه من سؤال التأنيب! قائلا : (فَلا تَسْئَلْنِ ..) وفيه انعطافة عطوفة من ربه عليه ، نهيا عن أمثال هذا السؤال التي قد تشير إلى عدم التسليم لرب العالمين ، فلم يسأل ولم يجهل.
وليس النهي عن فعل دليلا على واقعه فحظرا عن تكراره ، حيث الأحكام الرسولية والرسالية أمرا ونهيا تترى على رسل الله ليحملوها لهم وإلى المرسل إليهم ، فهي لهم أوامر ونواهي بدائية دون سبق لها لكي تدل الأوامر على تركهم المأمور به ، أو تدل النواهي على اقترافهم للمحظور.
وهنا النهي موجّه إلى مستقبل لذلك العرض ألّا يلحّقه بسؤال الاستعلام فلم يفعل ، ثم ولا صراحة ولا لمحة أنه سأل ما ليس له به علم أي سؤال من ذي قبل ولا بعده ، فقبله عرض وبعده : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ..) والله يعيذ المستعيذ به الصادق ولا سيما رسله ، وقد أمر الرسل على درجاتهم كما أمر رسول الهدى (صلى الله عليه وآله وسلم) على عصمته القمة : (قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ..) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ..) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وما أشبه من قول.