المقدمتان الحكم بنجاته ، ولكنه لم يستنتج ذلك تأدبا ، بل وبحكم عام حكم بخلافه : (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) فحكمك حق ، وذلك العرض لا يعني إلا بيان الحال العضال.
(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٤٦).
(إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) الآهلين للنجاة ، لأنه كان من الظالمين ، فقد كان امرأتك من أهلك وسبق عليها القول لأنها كانت من الظالمين ، وهكذا ابنك مهما كان من أهلك نسبا وولادة ، ولكنه ليس من أهلك الرسالي حتى يكون معك في حقول الرحمة الرسالية ، فالأهلية المنجية هي التي يتبناها العقيدة والعمل الصالح لبيت الرسالة ، دون أهلية الصلب وسواها ، غير الآهلة للحقل الرسالي ، ف «أهلك» هم كل أهله آهلين وسواهم ، ثم (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) يستثني امرأته عن أهلية النجاة رغم أنها داخلة في أهلية السبب ، ف (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) تعني أهلية النجاة ، أو من أهلك الموعودين بالنجاة ، بل هو من المستثنين عن النجاة ل (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) فقد «نفاه الله عنه حين خالفه في دينه»(١).
(فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أنه ليس من أهلك الآهلين ، فتسألني لما ذا لم ينج من الغرق ، (إِنِّي أَعِظُكَ) عن (أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) في سؤالك.
وقد يعني (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) ـ إضافة إلى ابنه ـ سؤاله المترقب : لما ذا أهلكته وهو ابني وقد استثنيت أهلي وهو منهم؟.
وهنا يتوضح لنا بنصوع ونصوح أن ليس قرابة النسب والسبب وما
__________________
(١) البحار ١١ : ٣٢٠ عن الحسين بن موسى الوشاء عن الرضا (عليه السلام) قال قال لي : كيف تقرءون : قال يا نوح إنه ليس من هلك إنه عمل غير صالح؟ فقلت : من الناس من يقرأ (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) نفاه عن أبيه ، فقال (عليه السلام) : كلا! لقد كان ابنه ولكن لما عصى الله نفاه عن أبيه ، وبنقل آخر كما نقلناه : نفاه ... وفيه ٣٢١ عن الرضا (عليه السلام) على ضوء الآية : فأخرجه الله عزّ وجلّ من أن يكون من أهله بمعصيته.