قرينة أنه كان ابنها لا ابنه ، إنه مردود بقول الله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) لو أريد أنه من امرأتي ، فقد انقطع عنهما ، فكيف يكون ـ إذا ـ ابنه من أهله؟.
ثم امرأته وهي من أهله سبق عليها القول نفسها ، فكيف يسأل نوح ربه عن ابنه كيف غرق وهو من أهله هذه المحكوم عليها نفسها بالغرق؟!.
فإنما (ابْنِي مِنْ أَهْلِي) يعني أنه كان من أهله الموعودين بالنجاة في (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) ولمّا يتبين له (عليه السلام) أنه داخل في سابق القول ، فقد يسأل استفهاما دونما استفحام ، أنك يا رب قد وعدتني نجاة أهلي إلّا من سبق عليه القول وهم (الَّذِينَ ظَلَمُوا) وظلوا ظالمين ، كما وعدت غرق الظالمين ، وابني هذا من أهلي وهو ظالم ، فوضح لي يا رب ما عمي علي من أمره بين الوعدين.
ولمّا يتبين لي أنه حقا من الظالمين كما امرأتي ، إذ لم يظهر منه كفر ما حق مهما تخلف عن أمري بركوب السفينة ، فإنه هو الذي دعا على الكافرين كلهم : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) والقائل : (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢٦ : ١١٨) فلو كان يرى أن ابنه منهم لما كان يدعوه لركوب السفينة ، ولا يعرض ما عرضه بعد غرقه بقوله : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ..) وقد نهاه الله أن يخاطبه في الذين ظلموا : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) فذلك العرض ولا سيما بعد الغرق قد لاح له أنه كالفرض استعلاما لغريب الموقف.
ذلك (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) : حق كلمه دونما استثناء لمكان التعريف للخبر الذي يستحق التنكير ، فوعدك الحق كلّا وإنك تنجي أهلي (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) كما حكمت بغرق ابني وهو من أهلي ، فوضّح لي يا رب إن شئت كيف هذا وذاك حتى أخرج من جهلي ، ومع كل هذه التفاصيل ليس في النص أنه سأل أو دعا ، وإنما نادى نداء الوالد الحنون بولده ، ربّه الحنون بموعده في عباده ، وإنما ينتج هاتان