ولطيفة أخرى هي أن «ابلعي» أبلغ من : اذهبي بماءك ، لأن في الابتلاع دليلا على إذهاب الماء بسرعة إلى باطنها ، وكذلك «أقلعي» فإنها أبلغ في الانجلاء ، لأن في الإقلاع أيضا معنى الإسراع إلى السماء ، وذلك أدل على نفاذ القدرة وطواعية الأمور المقدرة من غير وقفة ولا لبثة.
ثم في المزاوجة بين «ابلعي وأقلعي» بلاغة عجيبة وفصاحة شريفة أديبة!.
ف «قيل» تكوينا وقولا هما لله ، (وَغِيضَ الْماءُ) غائضه هو الأرض بأمر الله ، (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أمر الله وفاعله هو الله «واستوت» فاعله الفلك ، و (بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) هم الغارقون أجمعون.
ذلك ، فلما (اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) :
(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ)(٤٥).
ترى أنه كان ابنه من صلبه؟ أم ابن امرأته من غيره؟ قوله : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) وقول الله : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) يدلان على أنه في الحق كان ابنه من صلبه ، ولا يقال لإبن الزوجة أنه ابن الزوج إلّا بمجاز بعيد وقرينة صارحة تدل عليه وهي هنا منفية.
والقول (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) يعني أنه من امرأته وهي أهله (١) ، فهذه
__________________
(١) البحار ١١ : ٣٣٧ عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله : ونادى نوح ابنه ، فقال : ليس بابنه انما هو ابنه من زوجته على لغة طي يقولون لابن المرأة ابنه (تفسير القمي ٣٠٤).
أقول : لم ينزل القرآن ـ فقط ـ على لغة طي ، وحتى إذا نزل بها فغير فصيح ولا صحيح أن يعبر عن ابن المرأة بأنه ابنه مجازا دون قرينة ، بل والقرينة قاطعة انه ابنه نفسه. وأغرب من ذلك ما فيه عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول نوح : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) قال : ليس بانبه ، قال قلت : إن نوحا قال : يا بني قال : فإن نوحا قال ذلك وهو لا يعلم» أقول : هلا يعلم أنه ليس ابنه من صلبه فعله من امرأته من الزنا امّن نكاح وأنه دعيّ ، وهذا لا ينسب إلى أحمق الناس وأغفلهم عن نسبه!.