الطوفان فليس هو عذابا للقاصرين صغارا ومجانين.
أجل ، (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) فلا مبرر لبقاءهم ، ثم (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) إذ لا مكان ولا دور للابتآس بفعلتهم الملعونة حين يجزون بما كانوا يفعلون ، وأنه (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) فالداعي الراجي إجابته لوقت ما يبتئس بما يفعله المدعوون من التكذيب والعناد ، وأما إذا عرف مسيرهم ومصيرهم فلا دور لابتئاسه بما كانوا يفعلون.
أجل (فَلا تَبْتَئِسْ) : لا تحسّ بالبؤس والقلق ، ولا تهتمّ بهذا الذي كان منهم ، لا على نفسك فما هم بضارين من شيء حتى يغرقوا ، ولا عليهم فإنهم لا خير فيهم ولا رجاء لهداهم.
ثم وهذا الوحي كان بعد ما دعى نوح على قومه أم قبله بسناد : (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) (٧١ : ٢٧) (١).
فلقد كان دعائه عليهم بعد وحي الله وقبل الطوفان ، دعاء على ضوء الوحي دونما تخرّص بالغيب ، فالأخبار الناطقة بأن في ذلك الدعاء يدا شيطانية هي بنفسها من يد شيطانية! إذ لم يدع نوح إلّا بإذن الله وبعد ما أخبره الله (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) من ثم وليس الله ليجيب نوحا إلى دعوة فيها يد شيطانية!.
وترى (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ) تحيل إيمانهم في المستقبل؟ فهم غير مكلفين ـ إذا ـ بالإيمان! أم وعليهم أن يؤمنوا أنه لن يؤمنوا لأنه وحي
__________________
ـ يرضاهم بتكذيب المكذبين ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهد ، وفي تفسير القمي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.
(١) نور الثقلين ٢ : ٣٥٠ في تفسير القمي عن صالح بن ميثم قال قلت لأبي جعفر (عليهما السلام) : ما كان علم نوح حين دعى على قومه أنهم لا يلدون إلا فاجرا كفارا؟ فقال : أما سمعت قول الله لنوح : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ). وفي نقل آخر بزيادة : فعند ذلك دعى عليهم بهذا الدعاء.