هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ. وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) (٤٦ : ١٣).
ثم (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) يعم المشركين إلى الكتابين ، بل والأصل هنا هم الكتابيون لمكان (كِتابُ مُوسى) فليس شديد التنديد هنا إلّا بهم ، فهل التوراة بعد إمام للقرآن؟ (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ)! وليس الكفر بالمأموم الفرع بعد الإيمان بالإمام الأصل مما تستحق به النار!.
فالأحزاب الدينية بمختلف مبادءها ، والأحزاب الإلحادية والشركية على اختلافها (مَنْ يَكْفُرْ) منهم «به» ـ وهو عشير بينات ثلاث وحشيرها ـ فالنار موعده فلا تك في مرية منه : القرآن ورسالتك به ، (إِنَّهُ الْحَقُّ) كله (مِنْ رَبِّكَ) مهما كان سائر الوحي أيضا حقا ، ولكن أين حق ينسخ حيث يتلوه حق آخر ، ثم ويحرف ، وهو شطر من الحق ، أين هو من «الحق» الذي لا ينسخ ولا يحرّف وهو خالد إلى يوم الدين ، جامعا حق الوحي السالف كله وفيه مزيد. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بذلك الحق المتين المبين مقصرين أو قاصرين.
ولا يعني نهيه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ريبة منه أنه ارتاب ، كيف و «هو على بينة من ربه» وإنما هو تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلم) وتسرية عما قد يخالج نفسه المقدسة من أعباء الرسالة أمام المكذبين ، ثم وهو من باب «إياك أعني واسمعي يا جارة».
ذلك ، فلا مجال لتخيلات حداد الواهية ، وتقولاته الساهية : أن هذه الآية تقرر إمامة التوراة للقرآن (١) وانه نسخة عربية للتورات ، رغم أن هذه الآية ونظيرتها : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ. وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى
__________________
(١) يقول الحداد في كتابه «القرآن والكتاب» عشرات المرات.