بعد ما لم يكونوا متعارفين في البرزخ ، ف (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) أنفسهم (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) في مسارح الهداية ظلما وعلوا.
فقد يستقلون ذلك المكث المكيث لأمور ، منها أنهم لم ينتفعوا بحياة التكليف لحياة الحساب فهي ـ إذا ـ كالعدم ، ثم لم يكن لهم أن يتداركوه بحياة البرزخ إذا فهما (ساعَةً مِنَ النَّهارِ) : «نهار التكليف المشرق لهم الحق وهم غافلون ، ونهار البرزخ إذ يكشف فيه الغطاء وهم لا يستطيعون فيه جبرا لكسرهم ، فهما ـ إذا ـ ساعة من ذلك «النهار».
«فالله الله عباد الله ، فإن الدنيا ماضية بكم على سنن ، وأنتم والساعة في قرن ، وكأنها قد جاءت بأشراطها ، وأزفت بأفراطها ، ووقفت بكم على صراطها ، وكأنها قد أشرقت بزلازلها ، وأناخت بكلاكلها ، وانصرمت الدنيا بأهلها ، وأخرجتهم من حضنها ، فكانت كيوم مضي أو شهر انقضى ، وصار جديدها رثّا ، وسمينها غثّا ، في موقف ضنك المقام ، وأمور مشتبهة عظام ، ونار شديد كلبها» (١٨٨).
(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) (٤٦).
كن يا حامل الرسالة القدسية على ثقة أن وعد الله بكلمته عليهم حق ف (إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) فنفعل بهم بعد توفّيك ما ننكل ، وعلى أية حال ليسوا ليفلتوا من أيدينا (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) جميعا (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) دون إبقاء ، فلا يعزب عنه من مثقال ذرة كما لا يعزبون عنه فإنهم في قبضة محيطة من ربك.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٤٧).
وترى «كل أمة» تشمل إلى أمم المكلفين من الجنة والناس ومن أشبههم أجمعين ، تشمل أمم الدواب ، فإنها أمم أمثالنا؟ : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٦ : ٣٨).