الناس النسناس الظالمون المظلومون بأنفسهم.
وهذه الآيات الأخيرة ـ بعد البراهين الوفيرة وعناد المعاندين وتكذيبهم إياه (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ هي تسريات وتسليات لخاطره الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) عما قد يجده في نفسه من تضيق بذلك التكذيب الخفيق والعناد الصفيق ، بعد كرور الإعلام ومرور الإعلان ، وذلك بما يقرره له ربه من أن إباءهم عن الحق ليس عن تقصير منه في البلاغ ، ولا قصور في مادة البلاغ ، ولكن هؤلاء هم المقصرون القاصرون كالصم والعمي ، ولا يفتح الآذان لسمع الحق والأعين لإبصاره إلّا الله لمن تسمّع وأبصر ، فهم صم عمي حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ، رغم ما استكثروا الأمل واستبطئوا الأجل وكان أمده بعيدا وليس هو إلا ساعة :
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٤٥).
ولقد فصلنا القول حول اللبث في البرزخ أمام القيامة الكبرى في آياتها الست الأخرى (١) ولا سيما الأخرى (٧٩ : ٤٦) فليراجع ، وهنا نتحدث حول ميّزات هذه الآية بينها.
هنا ثانية تحمل : «ساعة» لبثا في البرزخ أم وقبله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) (٣٠ : ٥٥) : (ساعَةً مِنَ النَّهارِ) كما هنا ، أم أية ساعة من ليل أو نهار كما في آية الروم لمكان إطلاق «ساعة» ، وهي أقل تحديد من هؤلاء للبثهم ، وفوقها في آيات أخرى أنه يوم أو بعض يوم ، الشاملان لجزئيه ليلا ونهارا ، أو عشر ليال أو سنين لمكان «عشرا» وهي أكثر تقدير ، وحق اللبث هو أنه كان قليلا دون هذه التحديدات : (قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٣ : ١١٧) أم «يوما» : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) (٢٠ : ١٠٥) ولكن الحق المطلق هو ما
__________________
(١) وهي ١٧ : ٥٢ و٢٠ : ١٠٣ و٢٣ : ١١٢ و٣٠ : ٥٦ و٤٦ : ٣ و٧٩ : ٤٦.