(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ)(٤٣).
وهنا (يَنْظُرُ إِلَيْكَ) ك (يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) يعني نظرا ظاهرا إبصارا إليه لا إبصارا به ، فلم ينظروا إليه ليعتبروا بآيات رسالته ، بل وليظهروا كأنهم ناظرون إليه نظر الإعتبار ، ولكنهم لم يعتبروا إذ لم يجدوا فيه معتبرا فهم عمي في ذلك النظر (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) فقد يبصر الأعمى بإزالة العمى ، ولكن الأعمى المصر على العمى ليس ليبصر ، فهم إذا يستمعون إليك ولا يسمعون ، وينظرون إليك ولا يبصرون : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٧ : ١٧٩).
ذلك ، والعمي هنا عن آيات الله البينات هم عمي هناك عن رحمات الله والجنات ف (مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (١٧ : ٧٢). فهؤلاء العمي هنا عمي يوم الأخرى عن نتائج الإبصار يوم الدنيا وهي الجنات.
وهكذا العمي هنا عن معرفة الله هم عمي هناك عنها (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) فلا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يهديهم سبيلا.
ثم وهم عمي في أبصارهم لفترة عذابا فوق العذاب ، كما هم عمي في بصائرهم عن الرحمات ومعرفة الله عذابا فوق العذاب : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ..) (٢٠ : ١٢٦).
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٤٤).
فحين هم يستمعون إليك ولا يسمعون ، وينظرون إليك ولا يبصرون ، تجاهلا وعنادا ثم لا يهتدون ، فمن هو الذي ظلمهم إلّا أنفسهم حيث هم (أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فليس الله ظالما ولا مظلوما ، وإنما هم