وقد انتابه التخريب ثلاث مرات :
ـ أولاها : حين خربه بخت نصّر ملك بابل سنة ٥٧٨ قبل المسيح ثم جدده اليهود تحت حكم الفرس.
ـ الثانية : خربه الرومان في مدة طيطوس بعد حروب طويلة بينه وبين اليهود وأعيد بناؤه ، فأكمل تخريبه أدريانوس سنة ١٣٥ للمسيح وعفى آثاره فلم تبق منه إلا أطلال.
ـ الثالثة لما تنصرت الملكة هيلانة أم الإنبراطور قسطنطين ملك الروم (بيزنطة) وصارت متصلبة في النصرانية ، وأشرب قلبها بغض اليهود بما تعتقده من قتلهم المسيح كان مما اعتدت عليه حين زارت أورشليم أن أمرت بتعفية أطلال هيكل سليمان وأن ينقل ما بقي من الأساطين ونحوها فتبني بها كنيسة على قبر المسيح المزعوم عندهم في موضع توسموا أن يكون هو موضع القبر (والمؤرخون من النصارى يشكون في كون ذلك المكان هو المكان الذي يدّعى أن المسيح دفن فيه) وأن تسميها كنيسة القيامة ، وأمرت بأن يجعل موضع المسجد الأقصى مرمى أزبال البلد وقماماته فصار موضع الصخرة مزبلة تراكمت عليها الأزبال فغطتها وانحدرت على درجها.
ولما فتح المسلمون بقية أرض الشام في زمن عمر وجاء عمر بن الخطاب ليشهد فتح مدينة إيلياء (١) وهي المعروفة من قبل (أورشليم) وصارت تسمى إيلياء ـ بكسر الهمزة وكسر اللام ـ وكذلك كان اسمها المعروف عند العرب عند ما فتح المسلمون فلسطين. وإيلياء اسم نبيء من بني إسرائيل كان في أوائل القرن التاسع قبل المسيح. قال الفرزدق :
وبيتان بيت الله نحن ولاته |
|
وبيت بأعلى إيلياء مشرّف |
وانعقد الصلح بين عمر وأهل تلك المدينة وهم نصارى. قال عمر لبطريق لهم اسمه (صفرونيوس) «دلني على مسجد داود» ، فانطلق به حتى انتهى إلى مكان الباب وقد انحدر الزبل على درج الباب فتجشم عمر حتى دخل ونظر فقال : الله أكبر ، هذا والذي نفسي بيده مسجد داود الذي أخبرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه أسري به إليه». ثم أخذ عمر والمسلمون يكنسون الزبل عن الصخرة حتى ظهرت كلها ، ومضى عمر إلى جهة محراب داود فصلى فيه ، ثم ارتحل من بلد القدس إلى فلسطين.
__________________
(١) انظر «الإنس الجليل في تاريخ القدس والخليل» في ذكر خراب المسجد الأقصى. ولم أقف على وجه تسمية أورشليم باسم إيلياء المذكور ، ولعله هو ، سمي باسم المدينة المقدسة عندهم.