التهمة والحسد يقول : والله إن الملك لشيء ما نويته ولا تمنيته ، ولا قصدت إليه ولا ابتغيته ، ولو أردته لكان أسرع إليّ من السيل إلى الحدور ، ومن النار إلى يابس العرفج ، وإني لمأخوذ بما لم أجن ومسئول عما لا أعرف ، ولكنه حين رآني للملك قمنا (١) وللخلافة خطرا ، ورأى لي يدا تنالها إذا مدت ، وتبلغها إذا بسطت ، ونفسا تكمل بخصالها وتستحقها بخلالها وإن كنت لم أختر تلك الخصال ، ولم أترشح لها في سر ، ولا أشرت إليها في جهر ، ورآها تحن إليّ حنين الواله ، وتميل نحوي ميل الهلوك ، وحاذر أن ترغب إليّ خير مرغوب ، وتنزع إليّ خير منزوع ، عاقبني عقاب من قد سهر في طلبها وسهر في التماسها ، وتقدر لها بجهده وتهيأ لها بكل حيلته ، فإن كان حبسني على أني أصلح لها وتصلح [لي (٢)] ، وأليق بها وتليق بي ، فليس ذلك بذنب فأتوب منه ، ولا جرم فأرجع عنه ، ولا تطاولت لها فأحط نفسي ، ولا تصديتها فأحيد عنها ، فإن زعم أنه لا صرف لعقابه ولا نجاة من إغضابه إلا بأن أخرج له من الحلم والعلم ، وأتبرأ إليه من الحزم والعزم ، فكما لا يستطيع المضياع أن يكون حافظا ولم يملك العاجز أن يكون حازما ، كذلك العاقل لا يكون جاهلا ولا يكون الذكي بليدا ، وسواء عاقبني على شرفي وجمالي أو على محبة الناس إياي ، ولو أردتها لأعجلته عن التفكير وشغلته عن التدبير ، ولما كان من الخطاب إلا اليسير ، ومن بذل الجهد إلا القليل ، غير أني والله ـ والله شهيدي ـ أرى السلامة من تبعاتها غنما ، والخف من أوزارها حظا ـ والسلام على من اتبع الهدى.
قرأت على المتوكلي عن الحنبلي قال : أنبأنا البندار عن الفرضي عن الصولي قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأزدي ، حدثنا أحمد بن خالد القثمي قال : قدم عبد الملك ابن صالح الرقة بعد خروجه من الحبس وقد ولاه الأمين الشام والجزيرة والعواصم فلقيه ولد ابنه فلم يرهم أدبا فقال : شوه لكم يا شر خلف من خير سلف! ابتز (٣) العز من أمية آباؤكم قهرا وقسرا فحصنوه وخلطوه ثم مضوا إلى رحمة الله ، وخلفوا
__________________
(١) في كل النسخ : «للملك يمنا» والتصحيح من تاريخ اليعقوبي (٢ / ٤٣٤).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٣) في الأصل ، (ج) : «ابتنى»