ونحن لو نوّنّا (ضربا) ما وليه ضمير متصل ، وإنما يليه المنفصل ، كقولك : عجبت من ضرب إياك ، ومن ضرب إياه ، ومن ضرب إياي.
وإنما يشبّه ضربيك في اتصال الضميرين ب (ضربتك) حين اتصل به التاء والكاف ، وهما ضميرا فاعل ومفعول به ، وهو في الفعل قوي ؛ لاستحكام علامات الإضمار في الفعل ؛ ولأنّ الفعل يغيره ضمير الفاعل ، ويسكّن آخره حتى يصير معه كشيء واحد ، فكأن إضمار المفعول إنما يدخل بعد ذلك على شيء واحد ، وليس إضمار الفاعل في الفعل كإضماره في المصدر ؛ لأن إضماره في المصدر يوجب له الجرّ الذي يشاركه فيه المفعول.
وأيضا فإن الفاعل المضمر في الفعل ليس محله محل تنوين يوجب اتصال ما بعده من الضمير منه ، وإنما يشبّه الضميران المتصلان بالمصدر بالضميرين المتصلين بالفعل ؛ لأنّ الفعل منه مأخوذ ، والمصدر يعمل عمله ، فيشبه ما اتصل بالمصدر بما اتصل بالفعل كذلك.
فإذا وصلوا الضميرين بالمصدر فالأول : ضمير فاعل ، والثاني : ضمير مفعول به. على ما ذكرنا من ترتيب ذلك ، ولم يحسن حتى يكون ترتيبه على تقديم المتكلم ، ثم المخاطب ، ثم الغائب. كقولك : (عجبت من ضربيك) ، و (من ضربيه) ، و (من ضربكه) ، وهو جائز حسن ، والأجود منه : (من ضربي إياك) ، و (ضربي إياه) ، و (ضربك إياه). فإن كان الفاعل هو المخاطب ، وأضفت المصدر إليه ، والمفعول به المتكلم لم يحسن إلا المنفصل. نحو قولك : عجبت من ضربك إياي ، وكذلك عجبت من ضربه إياك ، وضربه إياي على ما رتبه سيبويه من تقديم القريب وهو المتكلم ، ثم المخاطب ، ثم البعيد الغائب ، ولم يحسن من (ضربكني) ، ولا من (ضربهيني) ولا من (ضربهيك).
وإذا كان الضميران لغائبين ، وكان الأول منهما فاعلا في المعنى ، كنت مخيرا في الثاني بين المتصل والمنفصل ، كقولك : (عجبت من ضربهيها) ، و (من ضربه إياها).
فإن قال قائل : قد شرط سيبويه قبل هذا الموضع أنّ الضمير المتصل إذا أمكن لم يجز المنفصل ، فلم جوّز في هذا الموضع المنفصل في الموضع الذي يقع فيه المتصل؟
قيل له : للمتصل مواضع مخصوصة به ، وهي المواضع التي فيها يلي المتصل العوامل فيه ، وللمنفصل مواضع مختصة به ، وقد ذكرنا مواضعهما جميعا ، وفي تلك المواضع لا يقع أحدهما موضع الآخر ، وقد يعرض في الكلام مواضع يقع فيها تأويلان ؛ أحدهما يجذب إلى شبه المتصل والآخر يجذب إلى شبه المنفصل ، فيستعملان جميعا فيما فيه شبه منهما.