وكنت لا أتحقّق من أي البلاد هو من المشرق ، ثم إني علمت أنه من بغداد إذ وقفت على كتابين كتبهما في شأن العناية به الأديب العلامة أبو المطرف أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزومي : أحدهما لأبي العلاء حسان ، والثاني للكاتب أبي الحسن العنسي ، وهو الذي يفهم منه أنه من بغداد.
ونصّ الأول : [بحر الكامل]
يا ابن الوصيّ ، إذا حملت وصيّتي |
|
أوجبت حقّا للحقوق يضاف |
وتحيّتي كلّ التحايا دونها |
|
وكذاك دون رسولها الأشراف |
أحسن بأن تلقى ابن حسّان بها |
|
مهتزّة لورودها الأعطاف |
كالروض باكره الندى فلعرفها |
|
يا ابن النبيّ على النديّ مطاف (١) |
وعلاك إنّ أبا العلا ومكانه |
|
يلفى به الإسعاد والإسعاف |
وأحقّ من عرف الكرام بوصفهم |
|
من جمّعت منهم له أوصاف |
هذه يا سيدي ، تحية تجب لها إجابة وحيّة (٢) ، وتصلح بها هشاشة وأريحية ، أودعتها بطن هذه العجالة ، وبعثتها مع صدر من أبناء الرسالة ، ولله درّه من راضع درّ النبوّة ، متواضع مع شرف الأبوّة ، نازعته طرف الأشعار ، وأطراف الأخبار ، فوجدته (٣) بحرا حصاه الدّرّ النفيس ، وروضا يجني منه أطايب السمر الجليس ، وينعت بنجم الدين وهو كنعته نجم يضيء سناه ، ويحلّ بيتا من الشرف ربّه بناه ، وقد جاب الفضاء العريش ، ورأى القصور الحمر والبيض ، وورد الحجون ، بعد ما شرب من ماء جيحون ، وزار مشاهد الحرمين ، ثم سار في أرض الهرمين ، وفارق إفريقية لهذا الأفق مختارا ، وعبر إلى الأندلس فأطال بها اعتبارا ، وتشوّق إلى حضرة الأنوار المفاضة ، والنعم السابغة الفضفاضة (٤) ، وجعل قصدها بحجّة سفره طواف الإفاضة ، وهمّه أن يشاهد سناها العلوي ، ويبصر ما يحقر عنده المرئي والمروي ، وهي غاية يقول للأمل : عليها أطلت حومي ، وجنّة يتلو الداخل لها (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦)) [يس : ٢٦](٥) وسيدي هو منها باب على الفتح بني ، وجناب عنان الأمل إليه ثني ، وقصده من هذا الشريف أجلّ قاصد ، وأظلّته
__________________
(١) النديّ : النادي.
(٢) وحية : سريعة.
(٣) في ب ، ه : «فوجدت بحرا».
(٤) النعم السابغة الفضفاضة : الكثيرة الزائدة.
(٥) إشارة إلى قوله تعالى : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ). سورة يس الآيتان : ٢٦ ، ٢٧.