صاحبتها علم المدنية ، وصواحب غيرها إليهنّ تنسب دار المدنيات بالقصر ، وكان يؤثرهنّ لجودة غنائهنّ ونصاعة ظرفهنّ ورقّة أدبهنّ ، وتضاف إليهن جارية (١) قلم وهي ثالثة فضل وعلم في الحظوة عند الأمير المذكور ، وكانت أندلسية الأصل ، رومية من سبي البشكنس ، وحملت صبيّة إلى المشرق ، فوقعت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعلّمت هنالك الغناء فحذقته (٢) ، وكانت أديبة ، ذاكرة ، حسنة الخطّ ، راوية للشعر ، حافظة للأخبار ، عالمة بضروب الآداب.
٧٦ ـ ومن النساء الداخلات إلى الأندلس من المشرق قمر جارية إبراهيم بن حجاج اللخمي ، صاحب إشبيلية.
وكانت من أهل الفصاحة والبيان ، والمعرفة بصوغ الألحان ، وجلبت إليه من بغداد ، وجمعت أدبا وظرفا ، ورواية وحفظا ، مع فهم بارع ، وجمال رائع ، وكانت تقول الشعر بفضل أدبها ، ولها في مولاها تمدحه : [بحر الكامل]
ما في المغارب من كريم يرتجى |
|
إلّا حليف الجود إبراهيم |
إنّي حلّلت لديه منزل نعمة |
|
كلّ المنازل ما عداه ذميم |
وأنشد لها السالمي لمّا ذكرها عدّة أشعار : منها قولها تتشوّق إلى بغداد : [بحر الكامل]
آها على بغدادها وعراقها |
|
وظبائها والسحر في أحداقها |
ومجالها عند الفرات بأوجه |
|
تبدو أهلّتها على أطواقها |
متبخترات في النعيم كأنّما |
|
خلق الهوى العذريّ من أخلاقها (٣) |
نفسي الفداء لها فأيّ محاسن |
|
في الدهر تشرق من سنا إشراقها |
٧٧ ـ ومنهن الجارية العجفاء (٤).
قال الأرقمي : قال لي أبو السائب ، وكان من أهل الفضل والنّسك : هل لك في أحسن الناس غناء؟ فجئنا إلى دار مسلم بن يحيى مولى بني زهرة ، فأذن لنا فدخلنا بيتا عرضه اثنا عشر ذراعا في مثلها ، وطوله في السماء ستة عشر ذراعا ، وفي البيت نمرقتان قد ذهب عنهما
__________________
(١) كذا في الأصول. ولعل الأصل «جاريته قلم» أو «جارية تسمى قلم».
(٢) حذقته : أتقنته.
(٣) الهوى العذري : المنسوب إلى قبيلة عذرة ، وهي قبيلة اشتهر فتيانها وفتياتها بالعشق الطاهر العفيف ، ورقة القلوب ، ولذا قيل عن كل حب طاهر إنه عذري.
(٤) انظر الأغاني ج ٢٣ ص ٢٨٢.