في فكاكه ، فليس لي ليل ولا نهار ، ولا صبر ولا قرار ، فقال : نعم ، انصرفي حتى ننظر في ذلك إن شاء الله تعالى ، وأطرق الشيخ وحرك شفتيه يدعو الله عز وجل لولدها بالخلاص ، فذهبت ، فما كان غير قليل حتى جاءت وابنها معها ، فقالت : اسمع خبره يرحمك الله تعالى! فقال : كيف كان أمرك؟ فقال : إني كنت فيمن يخدم الملك ، ونحن في القيود ، فبينا أنا ذات يوم أمشي إذ سقط القيد من رجلي ، فأقبل على الموكل بي فشتمني ، وقال : فككت القيد من رجليك ، فقلت : لا والله ولكن سقط ولم أشعر ، فجاؤوا بالحداد فأعاده ، وسمر مسماره وأيده ، ثم قمت ، فسقط أيضا ، فسألوا رهبانهم ، فقالوا : ألك والدة؟ فقلت : نعم ، فقالوا : إنه قد استجيب دعاؤها له ، فأطلقوه ، فأطلقوني وخفروني (١) إلى أن وصلت إلى بلاد الإسلام ، فسأله [بقي] عن الساعة التي سقط القيد من رجليه فيها ، فإذا هي الساعة التي دعا له فيها ، فرحمه الله تعالى.
٢١٠ ـ ومن الراحلين من الأندلس إلى المشرق يوسف بن يحيى بن يوسف الأندلسي الأزدي ، المعروف بالمغامي.
من أهل قرطبة ، وأصله من طليطلة ، وهو من ذرية أبي هريرة رضي الله عنه تعالى!.
سمع من يحيى بن يحيى وسعيد بن حسان ، وروى عن عبد الملك بن حبيب مصنفاته ، وارتحل إلى مصر ، وسمع من يوسف بن يزيد القراطيسي ، وعاد إلى الأندلس ، وكان فقيها ، نبيلا ، فصيحا بصيرا بالعربية ، ثم بعد عوده من مصر أقام بقرطبة أعواما ، ثم عاد إلى مصر ، وأقام بها ، وسمع الناس منه ، وعظم أمره بالبلاد بالمشرقية ، ثم إنه عاد إلى المغرب فتوفي بالقيروان سنة ثمان وثمانين ومائتين ، وبين بمصر الواضحة لابن حبيب (٢) ، وصنف شيئا في الرد على الشافعية في عشرة أجزاء ، وألف كتاب فضائل مالك رضي الله تعالى عنه ، والذي يرتضي أن من قلد إماما من المجتهدين لا ينبغي له أن يغضّ من قدر غيره ، وإن كان ولا بد من الانتصار لمذهبه وتقوية حجته فليكن ذلك بحسن أدب مع الأئمة ، رضي الله تعالى عنهم! فإنهم على هدى من ربهم ، وقد ضلّ بعض الناس فحمله التعصب لمذهبه على التصريح بما لا يجوز في حق العلماء الذين هم نجوم الملّة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وقد حكى أبو عبد الله الوادي آشي ـ حسبما رأيته بخطه ـ أن القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي المالكي ألف كتابا لنصرة مذهب مالك على غيره من المذاهب في مائة جزء ، وسماه «النصرة ، لمذهب
__________________
(١) خفره : حماه. وخفروني : هنا أرسلوا معي حرسا يحميني حتى وصلت إلى بلاد الإسلام.
(٢) الواضحة : كتاب الواضحة في إعراب القرآن تأليف عبد الملك بن حبيب السلمي. وكان المغامي هذا راويته عن مؤلفه.