رميته في أسرحبي ومن |
|
أجفان عينيه أخذت الكرى |
وقال لسان الدين في الإحاطة : كان أثير الدين أبو حيان نسيج وحده في ثقوب الذهن ، وصحة الإدراك ، والاضطلاع (١) بعلم العربية والتفسير وطريق الرواية ، إمام النحاة في زمانه غير مدافع ، نشأ في بلده غرناطة مشارا إليه في التبريز بميدان الإدراك ، وتغيير السوابق في مضمار التحصيل ، ونالته نبوة (٢) لحق بسببها بالمشرق ، واستقر بمصر ، فنال بها ما شاء من عزّ وشهرة وتأثل (٣) وافر وحظوة (٤) ، وأضحى لمن حل بساحته من المغاربة ملجأ وعدّة ، وكان شديد البسط مهيبا جهوريا (٥) مع الدّعابة والغزل وطرح التّسمّت ، شاعرا ، مكثرا ، مليح الحديث ، لا يمل وإن أطال ، وأسن جدّا فانتفع به ، قال لي بعض أصحابنا : دخلت عليه وهو يتوضأ ، وقد استقر على إحدى رجليه لغسل الأخرى كما تفعل البرك والأوز (٦) ، فقال لي : لو كنت اليوم جار شلير ما تركني لهذا العمل في هذا السن ، ثم قال لي بعد كلام حدثنا عنه الجملة الكثيرة من أصحابنا كالحاج أبي يزيد خالد بن عيسى والمقري الخطيب أبي جعفر الشّقوري والشريف أبي عبد الله بن راجح وشيخنا الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق قال : حدّثنا شيخنا أبو حيان في الجملة سنة ٧٣٥ بالمدرسة الصالحية بين القصرين بمنزله ، حدّثنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير سماعا من لفظه وكتبه من خطه بغرناطة ، عن الكاتب أبي إسحاق بن عامر الهمداني الطّوسي ـ بفتح الطاء ـ حدّثنا أبو عبد الله بن محمد العنسي القرطبي ، وهو آخر من حدّث عنه ، أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد الحافظ الجيّاني ، أنبأنا حكم بن محمد ، أنبأنا أبو بكر بن المهندس ، أنبأنا عبد الله بن محمد ، أنبأنا طالوت بن عباد بن نصال بن جعفر ، سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «اكفلوا لي بستّ أكفل لكم بالجنّة ، إذا حدّث أحدكم فلا يكذب ، وإذا ائتمن فلا يخن ، وإذا وعد فلا يخلف ، غضّوا أبصاركم ، وكفّوا أيديكم ، واحفظوا فروجكم».
ثم قال ابن الخطيب : إن أبا حيان حملته حدّة الشبيبة على التعرض للأستاذ أبي جعفر الطباع ، وقد وقعت بينه وبين أستاذة ابن الزبير الوحشة ، فنال منه ، وتصدّى للتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته فرع أمره للسلطان ، فامتعض (٧) له ، ونفذ الأمر بتنكيله ، فاختفى ، ثم أجاز البحر مختفيا ، ولحق بالمشرق يلتفت خلفه.
__________________
(١) الاضطلاع : التحمل والتعهّد.
(٢) نبوة : جفوة. وسيرد فيما بعد سبب هذه النبوة في النفح.
(٣) تأثل تأثلا : تأصل وثبت وعظم.
(٤) الحظوة : المكانة ، المنزلة.
(٥) الجهوري : العالي الصوت ، الشديده.
(٦) في ب : «الإوز».
(٧) امتعض من الأمر : حنق وعضب.