قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

نفح الطّيب [ ج ٣ ]

180/410
*

وأنت فقيه؟ فما هذا؟ قال : لأني لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسي إلى طلب الحديث ورواية الأخبار وسماعها ، فقصدت محمد بن إسماعيل البخاري ببخارى صاحب التاريخ والمنظور إليه في علم الحديث ، وأعلمته مرادي ، وسألته الإقبال على ذلك ، فقال لي : يا بني ، لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره ، فقلت. عرّفني ـ رحمك الله تعالى! ـ حدود ما قصدتك له ، ومقادير ما سألتك عنه ، فقال لي : اعلم أن الرجل لا يصير محدّثا كاملا في حديثه إلا بعد أن يكتب أربعا مع أربع كأربع مثل أربع في أربع عند أربع بأربع على أربع عن أربع لأربع ، وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع ، فإذا تمت له كلها هان عليه أربع ، وابتلي بأربع ، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع ، وأثابه في الآخرة بأربع ، قلت له : فسّر لي ـ رحمك الله تعالى (١)! ـ ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات من قلب صاف بشرح كاف وبيان شاف طلبا للأجر الواف (٢) ، فقال : نعم ، أما الأربع التي تحتاج إلى كتبها فهي أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وشرائعه ، والصحابة رضي الله تعالى عنهم ومقاديرهم ، والتابعين وأحوالهم ، وسائر العلماء وتواريخهم ، مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمانهم ، كالتحميد مع الخطب ، والدعاء مع التوسّل والبسملة مع السورة ، والتكبير مع الصلوات ، مثل المسندات والمرسلات ، والموقوفات والمقطوعات ، في صغره وفي إدراكه ، وفي شبابه وفي كهولته ، عند فراغه وعند شغله ، وعند فقره وعند غناه ، بالجبال والبحار ، والبلدان والبراري ، على الأحجار والأخزاف ، والجلود والأكتاف ، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق ، عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه ، وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره ، لوجه الله تعالى طلبا لمرضاته ، والعمل بما وافق كتاب الله عز وجل منها ، ونشرها بين طالبيها ، ومحبيها ، والتأليف في إحياء ذكره بعده ، ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع ، هي من كسب العبد ، أعني معرفة الكتابة واللغة والصرف والنحو ، مع أربع هي من إعطاء الله تعالى ، أعني القدرة والصحة والحرص والحفظ ، فإذا صحت له هذه الأشياء كلها هان عليه أربع : الأهل ، والولد ، والمال ، والوطن. وابتلي بأربع : بشماتة الأعداء ، وملامة الأصدقاء ، وطعن الجهلاء ، وحسد العلماء ، فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله جل وعلا في الدنيا بأربع : بعز القناعة ، وبهيبة النفس ، وبلذّة العلم ، وبحياة الأبد ، وأثابه في الآخرة بأربع : بالشفاعة لمن أراد من إخوانه ، وبظل العرش حيث لا ظل إلا ظله وبسقي (٣) من أراد من حوض نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبجوار

__________________

(١) في ب ، ه : «فسر رحمك الله ما ذكرت».

(٢) الواف : الوافي. وحذف الياء للسجع ، وهو جائز.

(٣) كذا في ب ، ه. وفي أ : «وسقى».