توبيخ وتعبير ، وتقديم وتأخير ، كقول النجاشي في بني (١) العجلان ، وشهرة شعره ، منعتني عن ذكره ، واستعدوا عليه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، وأنشدوه قول النجاشي فيهم ، فدرأ الحد بالشبهات ، وفعل ذلك بالزبرقان حين شكا الحطيئة ، وسأله أن ينشد ما قاله فيه ، فأنشده قوله : [بحر البسيط]
دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي (٢) |
فسأل عن ذلك كعب بن زهير ، فقال : والله ما أودّ بما قال له حمر النعم ، وقال حسان : لم يهجه ، ولكن سلح عليه بعد أن أكل الشّبرم ، فهمّ عمر رضي الله تعالى عنه بعقابه ، ثم استعطفه بشعره المشهور.
وقال عبد الملك بن مروان يوما : أحسابكم يا بني أمية (٣) ، فما أود أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس وأن الأعشى قال في : [بحر الطويل]
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم |
|
وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا (٤) |
ولما سمع علقمة بن علاثة هذا البيت بكى ، وقال : أنحن نفعل هذا بجاراتنا؟! ودعا عليه ، فما ظنك بشيء يبكي علاثة ، وقد كان عندهم لو ضرب بالسيف ما قال حس.
وقد كان الراعي يقول : هجوت جماعة من الشعراء ، وما قلت فيهم ما تستحي العذراء أن تنشده في خدرها.
ولما قال جرير : [بحر الوافر]
فغضّ الطّرف إنك من نمير |
|
فلا كعبا بلغت ولا كلابا |
أطفأ مصباحه ونام ، وقد كان بات ليلته يتململ ، لأنه رأى أنه قد بلغ حاجته وشفى غيظه.
قال الراعي : فخرجنا من البصرة فما وردنا ماء من مياه العرب إلا وسمعنا البيت قد سبقنا إليه ، حتى أتينا حاضر بني نمير فخرج إلينا النساء والصبيان يقولون : قبحكم الله وقبح ما جئتمونا به!.
__________________
(١) النجاشي : هو قيس بن عمر الحارثي من شعراء صدر الإسلام. كان ماجنا خليعا.
(٢) قيل : إن هذا البيت أهجى بيت قالته العرب.
(٣) في الذخيرة : احفظوا أجسامكم.
(٤) المشتى : زمان الشتاء ، ومكانه. وغرثى : جائعة. وخمائص : جمع خميص ، وهي الضامرة البطن وأراد بها هنا الناحلة من شدة الجوع.