في شرح نهج البلاغة
قال عليّ عليهالسلام وقد رجع من صفّين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة :
« يا أهل الديار الموحشة ، والمحالّ المقفرة ، والقبور المظلمة ، ياأهل التربة ، يا أهل الغربة ، يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة ، أنتم لنا فَرَط سابق ، ونحن لكم تَبَع لاحِق ، أمّا الدور فقد سُكنت ، وأمّا الأزواج فقد نُكحت ، وأمّا الأموال فقد قُسِّمت ، هذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم ؟ ».
ثم إلتفت إلى أصحابه فقال : « أما والله لو اُذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزاد التقوى » (١).
يظهر أنّ خير الزاد عندكم العمل بالظنّ والتهمة ، فنحن لا نزور القبور كحجارة وتراب وعظام بالية ، ولكن نزورها لأنّها ضمّت واحتضنت رفاة عظماء قد شرّفهم الله وعظّمهم علىٰ غيرهم من سائر البشر ، ولأنّها تذكّرنا بالآخرة ، ونتعظ بسيرة أصحابها.
ونزورها تاريخاً لا يقبل الخطأ ، وإلّا فمدينة جدّه الحجازية ما عرفت إلّا بقبر أُمُنا حواء عليهاالسلام ، وهكذا مدينة الخليل في فلسطين الجريحة ما عرفت إلّا بقبر خليل الرحمن إبراهيم عليهالسلام وهكذا...
ولمّا ظعنَ في القبور وعاد إلى أصحابه مُحمّر الوجه ، ظاهر العروق ،
___________________________________
١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٨ / ٣٢٢ ، الخطبة ( ١٢٦ ).